وكلُّ علامةٍ يُبصِرُها الإنسانُ في الكونِ ويراها ناطقةً على كونِ الخالقِ هو اللهَ، فتلك العلامةُ مِن السجودِ للهِ؛ لأنَّها امثالٌ لتدبيرِ اللهِ وأمرِهِ، فدلَّت عليه بامتثالِها، ولا يمتثِلُ إلا متذلِّلٌ خاشعٌ مخلوقٌ.
النوعُ الثاني: سجودُ اختيارٍ:
وذلك كما في آيةِ البابِ, وكثيرٌ منِ ذِكرِ السجودِ في القرآنِ يرادُ به هذا النوعُ؛ قال تعالى: ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾ [الإسراء: ١٠٧]، وقال تعالى: ﴿ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ [الحج: ٧٧]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الفرقان: ٦٤].
وبعضُ آيِ القرآنِ يدخُل فيه النوعانِ؛ كما في قولِه: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٤٩].
والنوعُ الثاني أعظمُ عندَ اللهِ؛ لأنَّ الفعلَ يعظُمُ عندَ مَن يختارُهُ، على مَنْ لا يجدُ غيرَهُ؛ لهذا فَضَّلَ اللهُ الإنسانَ الساجدَ على غيرِهِ منِ المخلوقاتِ.
الأصلُ في السجودِ في الوحي:
وإذا أُطلِقَ السجودُ في القرآنِ والسُّنَّة، وتجرَّدَ مِن قرينةٍ تَصْرِفُهُ، فالمرادُ به السجودُ على الأَعظُمِ السبعةِ، وأصبَحَ هذا مصطلَحًا عليه في كتبِ العلماءِ وأقوالِ السلفِ.