للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحوُّلُ مِن حالٍ إلى حالٍ، ومِن مكانٍ إلى مكانٍ، ومِن أرضٍ إلى أرضٍ، وبلدِ إلى بلدٍ، رُوِي هذا عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ رواهُ عنه عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ؛ رَواهُ ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ (١).

والمرادُ بذلكَ: الحثُّ عَلَى الهِجْرةُ، فإنَّ في الأرضِ رِزْقًا وسَعَةً، فليست الهِجْرةُ بمانعةٍ مِن ذلك، فالمرادُ بالسَّعةِ في الآيةِ الرِّزْقُ؛ وهذا كقولِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠]؛ يَعني: مِن رِزْقِه، وكقولِهِ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ [النور: ٢٢]، وقولِهِ: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: ٧].

وفي هذا: عدَمُ اعتبارِ طلَبِ الرِّزْقِ في الهِجْرةِ إلى الله، فمَن سافَرَ طلبًا للرِّزْقِ والعيش، لم يَكُنْ مُهاجِرًا إلى اللهِ؛ وإنَّما إلى دُنْيَاهُ، فلا يأثَمُ بذلك إن كان مِنْ بلَدِ إسلامٍ إلى بلدِ إسلامٍ، ومَن نوى رِزْقًا وعَيْشًا يُقِيمُ به دِينًا، فهو عَلَى نِيَّتِه.

فضلُ مَنْ بَدَأَ طريقَ الحقِّ:

وفي قوله تعالى، ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٠]؛ يَعني: تَمَّ أجرُهُ بالشروعِ في الأمر، فمَنْ عزَمَ عَلَى إقامةِ الحقِّ، وحالَ دونَهُ حائلٌ، آتاهُ اللهُ أَجْرَهُ ولو لم يُتِمَّه.

ومَن أخَذَ بأَوَّلِ أسبابِ الحقِّ وطريقِه، ثُمَّ عجَزَ أو أدْرَكَهُ الموتُ، آتاهُ اللهُ أَجْرَهُ، وقد كان بعضُ مَن قال بالإسلامِ في مكَّةَ، سوَّلَت لهُم أنفسُهم خطَرَ الطريقِ، وخوفَ الموتِ مِن عدوٍّ وقاطعِ طريقٍ أو سَبْعٍ أو لَدْغةِ دابَّةٍ، فإن ماتوا فاتَتْهم دُنيا مَكَّةَ ودينُ المدينةِ؛ فلا حَفِظُوا دِينًا ولا دُنيا.

فبَيَّنَ اللهُ لهم أنَّ مَنْ مات في خروجِهِ مُهاجِرًا إلى المدينةِ - ولو كان


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٣٩٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>