للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّما جاء بعدَ سلامِ اليهوديِّ عليه بقولِهِ: "السَّامُ عليكم"، فيكونُ عندَ سماعِهِ لِلَفْظِ السَّامِ، أو عندَ عدمِ إدراكِه للَّفْظِ؛ كإدغامِ الكافِرِ لِلَّفْظِ ونحوِ ذلك، ويظهَرُ أنَّ هذا الحديثَ ليس على إطلاقِهِ في كلِّ سلامٍ مِن الكافرِ أنْ يَرُدَّ عليه بعليكم فقطْ؛ وإنَّما عندَ قولِهم: "السَّامُ"؛ وذلك لِمَا في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا: (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ اليَهُودُ، فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: وَعَلَيْكَ) (١)، ولو حُمِلَ الحديثُ على ظاهِرِه، لكان خاصًّا باليهودِ دونَ النَّصارى؛ ولكنَّه عامٌّ في كلِّ كافرٍ، وخاصٌّ فيمَن قال: "السَّامُ" وشِبْهَهَا مِن تلبيسِ التحيَّةِ بلفظِ سَوْءٍ.

حكمُ ردِّ التحيَّةِ على الكافِرِ:

وقال عامَّةُ الفقهاءِ: بِرَدِّ التحيَّةِ على الكافِرِ، وأوجَبَهُ الجمهورُ ونصَّ بعضُهم كمالكٍ: على عدمِ الوجوبِ، ولا يأثَمُ تاركُها.

ولا يدخُلُ الكافرُ في وجوبِ التحيَّةِ بمِثلِ التحيَّةِ أو أحسَنَ منها؛ فهذا خاصٌّ بأهلِ الإيمانِ؛ كما قاله عطاءٌ وقتادةُ والحسنُ (٢).

وحَمَلَ بعضُ السلفِ كقتادةَ قولَهُ تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا﴾ على المُسلِمِينَ، وقولَه: ﴿أَوْ رُدُّوهَا﴾؛ يعني: على أهلِ الكتابِ (٣).

يُجزِئُ سلامُ البعضِ عن الكلِّ:

وإذا دخَلَ جماعةٌ إلى مكانٍ يُجزِئُ سلامُ بعضِهم؛ لأنَّهم أخَذُوا حُكْمًا واحدًا؛ فيَسْقُطُ التكليفُ بسلامِ رؤوسِهم أو أولِهم؛ لأنَّ الجماعةَ تَبَعٌ لأميرِهم أو رأسِهم أو أولِهم، ولأنَّ المقصودَ مِن السلامِ الأمانُ


(١) أخرجه البخارى (٦٢٥٧) (٨/ ٥٧)، ومسلم (٢١٦٤) (٤/ ١٧٠٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٧/ ٢٧٥)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٨١٧)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٢١).
(٣) المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>