وفي ذلك: مشروعيَّةُ جعلِ العرَفاءِ والنُّقَباءِ على الناسِ؛ يَقُومُونَ بشأنِهم، وَيرعَوْنَ قِسْمةَ عطاياُهم بينَهم؛ كما فعَلَ الأسباطُ مع مَن كان معهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾ [الأعراف: ١٥٩ - ١٦٠].
ومِن السياسةِ الشرعيَّةِ: جعلُ نُقَباءَ في المجتَمَعاتِ؛ على كلِّ جهةٍ وناحيةٍ وجماعةٍ مِن الناسِ واحدٌ يبيِّنُ للسُّلطانِ حالَهم، وَيرْفَعُ حاجتَهم، وَيدْفَعُ فتْنَتَهم، ولا تكونُ للواحدِ منهم شَوْكةٌ يَفتئِتُ بها على إمامِ المُسلِمينَ.
ومِن ذلك: تمييزُ ما لكلِّ بلدةٍ وجماعةٍ عمَّا للأُخرى، حتى لا تتنازَعَ مع غيرِها؛ فإنَّ الناسَ تتنافَس على الدُّنيا وتتقاتَلُ عليها، وفي فصلِ الحقوقِ وتمييزِها قطعٌ للنِّزاعِ والخلافِ؛ ولذا قال تعالى مُظهِرًا منَّتَهُ: ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾، وقد قال يحيى بن النضرِ: قلتُ لجُوَيْبِرٍ: كيف عَلِمَ كل أناسٍ مَشْرَبَهم؟ قال: كان موسى يَضَعُ الحَجَرَ ويقومُ مِن كلِّ سِبْطٍ رجلٌ، ويضربُ موسى الحجرَ فينفجِرُ منه اثنتَا عشْرةَ عينًا، فينْضَحُ مِن كلِّ عَيْنٍ على رَجلٍ، فيَدْعُو ذلك الرجلُ سِبْطَهُ إلى تلك العَينِ (١).
ومِثلُ هذا العدلِ والتمييزِ يَدفَعُ الفسادَ والبَغْيَ والظُّلْمَ، ولما كان ذلك كذلك، أقامَ اللهُ بقِسْمةِ الحقوقِ والرزْقِ العَدْلَ؛ قال كما في البقرة: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [٦٠]