للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسيِرًا، وَلَا قَطَعتُم وَادِيًا) (١)؛ فهذا يَشترِكونَ فيه جميعًا، ويَعلَمُ القاعدُ حصولَهُ منه يقينًا، لكنه لا يَعلَمُ شهادته ولا إثخانَهُ وأسرَهُ لعدوِّه، لذا كان الأصلُ فَضْلَ المجاهِدِ على القاعِدِ في الإسلامِ مِن هذه الوجوهِ.

مراتبُ المجاهِدِين:

ثم ذكَرَ الله بعدَ ذلك قَدرَ التفضيلِ: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾؛ وهذا تفسيرٌ للدرجةِ المذكورةِ قبل: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾.

ومراتبُ المجاهِدين دَرَجاتٌ، فليسوا سواءً؛ بل هم بحسب ما خرَجُوا به، وبحسَبِ سرائرِهم، وبحسَب مواضعِ قَتلِهم، ونوعِ عدوِّهم، ونوعِ قتالِه؛ فقتيلُ البحرِ يختلِفُ عن قتيلِ البَرِّ، وقتيلُ الدَّفْعِ يَختلِفُ عن قتيلِ الطَّلَبِ، وقتيلُ الدفْعِ عنِ الدِّينِ يَختلِفُ عن قتيلِ الدَّفْعِ عنِ النفس والمالِ والعِرْض، وقتيلُ الدفعِ عنِ العِرْضِ يَختلِفُ عن قتيلِ الدفعِ عنِ المالِ.

وقتيلُ الفتحِ للأرضِ المبارَكةِ ليس كقتيلِ فتح غيرِها، وقتيلُ الخوارجِ ليس كقتيلِ البُغاة، ومَن رَمى بسهمٍ يَختلِفُ عمَّن رمى بسهمَينِ، ومَن قاتَلَ يومًا ليس كمَن قاتَلَ أيامًا.

وأَدنى درجاتِ المجاهِدِينَ مرتبةٌ عظيمةٌ، وفي "البخاري"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ، عنِ النبيِّ ؛ قال: (إِنَّ فِي الجنةِ مِئةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله، مَا بَينَ الدَّرَجَتَينِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (٢).


(١) أخرجه البخاري (٤٤٣٣) (٦/ ٨) عن أنس، ومسلم (١٩١١) (٣/ ١٥١٨) من جابر.
(٢) أخرجه البخاري (٢٧٩٠) (٤/ ١٦)، وأخرجه مسلم (١٨٨٤) (٣/ ١٥٠١) بنحوه عن أبي سعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>