وقد روى أحمدُ والنسائيُّ؛ مِن حديثِ شُرَحبِيلَ بنِ السِّمْطِ، عن كعبِ بنِ مرَّةَ، وروى ابنُ أبي حاتمٍ، عن أبي عبيدةَ، عن أبيه ابنِ مسعودٍ؛ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن بَلَغَ بِسَهْمٍ، فَلَهُ دَرَجَةٌ)، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، وَمَا الدَّرَجَةُ؟ قَالَ:(أمَا إنها لَيسَت بِعَتَبَةِ أُمِّكَ؛ مَا بَينَ الدَّرَجَتَينِ مِئَةُ عَامٍ)(١).
وقوله تعالى: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾؛ الحسنى: هي الجنَّة، ويُؤجَرُ القاعدُ الذي لم يتعيَّن عليه الجهادُ بمقدارِ نفعِهِ في قعودِه، وخلافتِهِ مكانَ المجاهِدِينَ، وأثَرِهِ في الناس، وأمَّا القاعدُ المعذورُ عن الجهاد، وهو فرضٌ عليه قبلَ عُذْرِه، أو ليس بفَرضٍ عليه، لكنه يُريدُهُ وهو عاجز عن فعلِه، فيُؤجَرُ بمقدارِ نيَّتِهِ وما يَعلمُهُ اللهُ مِن قلبِهِ مِن حبِّ الجهادِ وأهلِه، وما يجدُهُ في نفسِهِ مِن حب زوالِ عُذرِه.
وَيختلِفُ هذا عنِ المعذورِ الذي يفرَحُ بعذْرِه، فيختلفُ عمَّن يتمنَّى زوالَ عذرِهِ وَيحزَنُ لوجودِه؛ كمَن يُكسَر ويفرَحُ لكَسرِه؛ ليَترُكَ صلاةَ الجماعة، فهذا لا يُؤتى أجر من صلَّى الجماعةَ وهو يتمنَّى نزولَ عذرٍ عليه ليمنَعَهُ مِن الصلاةِ.
ودرجاتُ المجاهِدِينَ الكثيرةُ هي التي بَيّنها اللهُ بعدُ بقوله ﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً﴾.
وفي هذا: دليلٌ على أن الجهادَ مِن أسبابِ غُفرانِ الذنوب، ونزولِ رحمةِ اللهِ على عبادِه؛ فهو موضعُ الغُفْرانِ ومنازل الرَّحمةِ.
* * *
(١) أخرجه أحمد (١٨٠٦٣) (٤/ ٢٣٥)، والنسائي (٣١٤٤) (٦/ ٢٧)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ١٠٤٤).