للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)} [المائدة: ٨٩].

وقد تقدَّمَ في سورةِ البقرةِ عندَ قولِ اللهِ تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)} الكلامُ على لَغْوِ اليمينِ ومعناهُ، وتفسيرِ السلف، وخلافِ العلماءِ في حدِّه، وما تجبُ فيه الكفارةُ؛ فلْيُنظَر.

انعقاد القلبِ في اليمينِ، وحكمُ الغَمُوسِ:

وقال تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} هو كقولِهِ تعالى في البقرةِ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [٢٢٥]، وكسب الشيْءِ: قصدهُ وعزمُهُ عليه، وقد فسَّرَ مجاهِد والحسن عقدَ اليمينِ بنتعمُّدِها (١)، فالقلب يفعلُ الشيءَ عن عزمٍ وقصدٍ، بخلافِ اللِّسانِ والجوارحِ، فتفعلُ سهوًا، ولما كان القلبُ لا يقع مه العملُ إلا قصدًا، سُمِّي كَسبُهُ عَقْدًا؛ ومِن هذا يُؤخَذُ أنَّ الحَلِفَ على شيءٍ يظُنّه كذا، فوقَعَ خلافَ ظنِّه، ومثْلُهُ اليمين الغَمُوسُ: أنَّه لا كفارةَ عليه؛ لأنَّ القلبَ لم يَنعقِد على شيءٍ حتى يحتاجَ حَلَّهُ، وإنَّما نزَلَتِ اليمينُ على ما لا يحتاجُ إلى حَلٍّ لفعْلِهِ أو تركِهِ؛ ولذا قال تعالى في سورةِ التحريمِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [٢]؛ ولذا يذهبُ جمهورُ العلماءِ: إلى عدمِ وجوبِ الكفَّارةِ في اليمينِ الغَمُوسِ واليمينِ التي يَحلِفُها الإنسانُ لشيء يظُنُّه كذا، والواقعُ


(١) "تفسير الطبري" (٨/ ٦١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>