وللشافعيِّ قولٌ آخَرُ؛ أنَّه يجبُ بمجرَّدِ العقدِ فقَطْ، والصوابُ: أنَّه لا يجبُ بالعقدِ إلَّا ما فُرِضَ وسُمِّيَ، وإلَّا فتَجِبُ المُتْعةُ ما لم يدخُلْ بالزوجةِ، وهذا ظاهرُ القرآنِ، فلو وجَبَ المهرُ بالعقدِ، لَمَا أسقَطَهُ اللهُ بالطلاقِ قبلَ الدخولِ بالزوجةِ، وجعَلَهُ مُتْعةً لمَنْ لم يَفْرِضْهُ، وأسقَطَ نصفَهُ في حالِ فرضِهِ قبلَ الدخولِ؛ لقولِهِ: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، ولو كان المهرُ واجبًا بالعقدِ، لقالَ:"فنِصْفُ المَهْرِ"، وإنَّما قال: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾؛ لأنَّه لا وجودَ للمَهْرِ بلا فرضٍ أو مَسِيسٍ ولو تَمَّ العقدُ.
والسلفُ يتَّفِقونَ على أنَّ الطَّلَاقَ يُسقِطُ المَهْرَ؛ ما لم يُفرَضْ أو يُدخَلْ بالزوجةِ.
وأمَّا إذا طلَبَتِ الزوجةُ مِن الزوجِ تحديدَ المهرِ قبلَ طلاقِهِ لها، فطَلَّقَ ولم يُسَمِّ لها شيئًا، فمِن الأئمَّةِ: مَن لم يُوجِبْ لها مَهْرًا، وقال: إنَّ طلَبَها لا يكونُ كالفَرْضِ مِن الزوجِ، حتَّى يَفرِضَ هو؛ وهذا قولُ الشافعيَّةِ والحنابلةِ والمالكيَّةِ.
صداقُ من توفِّي زوجُهَا قبل دخوله:
ولو تُوُفِّيَ الزوجُ عن زوجتِهِ قبلَ أن يَمَسَّها، ولم يَفرِضْ لها شيئًا، فهِيَ تَرِثُهُ، ولكنْ هل لها حقٌّ مِن الصداقِ؟ اختَلَفوا في ذلك على قولَيْن:
الأوَّلُ: أنْ لا صَدَاقَ لها، وحُكْمُها حكمُ المطلَّقةِ قبلَ الفرضِ والمَسِيسِ؛ وهذا قولُ أكثرِ الصحابةِ؛ كعليٍّ وابنِ عُمَرَ وزَيْدٍ؛ كما رواهُ البيهقيُّ وغيرُهُ.
روى نافعٌ عنِ ابنِ عُمرَ؛ أنَّه قال:"ليس لها صَدَاقٌ، ولو كان لها صداقٌ، لم نَمْنَعْكُمُوهُ ولم نَظلِمْها"(١).
(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (١٠) (٢/ ٥٢٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٢٤٦).