وفي هذه الآيةِ: اختلافُ المؤمِنِينَ في حالِ المنافِقِينَ، والنبيُّ ﷺ بينَ أَظْهُرِهم، وفيها: أنَّ الخلافَ في أمرِ المنافِقينَ قد يَشُقُّ صَفَّ المؤمِنِينَ إنْ لم يُرحَمُوا بالوحيِ المنزَّلِ أو بعالِمٍ به وبهَدْيِ النبيِّ ﷺ وسياستِهِ في تعامُلِه معهم، ودافِعُهُمْ في ذلك الصِّدْقُ والحَمِيَّةُ للحقِّ.
الانشغالُ بالعدوِّ الأقوى والأخطَرِ:
وتتضمَّنُ الآيةُ الانشغالَ بالعدوِّ الأَقْوَى، وهم المُشرِكونَ، عن العدوِّ الأضعف، وهم المُنافِقون، فلو انشغل الصحابة بالمُنافِقينَ وقاتَلُوهُم وهم في مواجهةِ عدوِّهم قريشٍ، لكان ذلك ضَعْفًا فيهم وتقويةً لعدوِّهم عليهم؛ فإنَّ مِن سياسةِ النبيِّ ﷺ في المنافِقينَ: الترهيبَ مِن أفعالِهم، وتأليفَ أعيانِهم مع عِلْمِهِ مِن الوحيِ بكفرِهِمْ بالباطنِ؛ ولكنَّه مأمورٌ بالأخذِ بالظاهر، وقد يكونُ في صفِّ الَمُسلِمِينَ مِن الصادِقينَ مَن تدفَعُهُ الحميَّةُ لو أُخِذَ برأيِه، لَضَعُفَ المُسلِمونَ وكُسِرَتْ شوكتُهم؛ وهذا يكونُ غالبًا مِن بعضِ النفوسِ الصادقةِ المطبوعةِ على الشجاعةِ؛ فتَظُنُّ أنَّ الحقَّ دومًا في الإقدام، كما أنَّ بعضَ النفوسِ المطبوعةِ على الجُبْنِ تميلُ إلى الأمانِ والسَّلْمِ دومًا؛ فتَستحضِرُ هذه النفوسُ مِن حيثُ لا تَشعُرُ ما يَعضُدُها مِن نصوصِ الوحي، وتَغْفُلُ عمَّا يُخالِفُ طَبْعَها، والمؤمنُ الصادقُ مَن يُجاهِدُ نفسَهُ كما يُجاهِدُ عدوَّه، وقد كانتْ طبائعُ الصحابةِ مُتبايِنةً كطبائعِ سائرِ البشرِ لا يجتمعونَ على طبعٍ واحدٍ؛ ولكنَّهم كانوا أصدَقَ الناسِ؛ يَقِفُونَ عندَ الأدلَّة، وَيزِنُونَ الحالَ والمآلَ، ويُرجِّحونَ الدليلَ وصالحَ الأمَّةِ على ما يَهْوَوْنَ ﵃.
نعمةُ الشدائدِ على الأُمَّةِ:
والأمَّةُ في الشدائدِ تتطهَّرُ مِن خَبَثِها؛ لِيَبْقَى صَفْوُها، ويزولَ كَدَرُها،