في هذه الآيةِ: دليلٌ على جوازِ مُعاهَدةِ ناكِثِ العهدِ السابقِ وناقِضِه إنْ كان في مُعاهَدَتِهِ مرَّةَ أخرى صلاحٌ للمُسلِمينَ، ولو بكَسْبِ أمانِ ليومِ أو لشهرٍ أو عامٍ، بصَدِّ عَادِيَتِهِ ومَكْرِه، كما عاهَدَ النبيُّ ﷺ اليهودَ مع عِلْمِهِ بنقضِهِمْ للعهود، فقد كانوا عاهَدُوهُ أوَّلَ مرَّةٍ، ثم أعانُوا قًريشًا بسلاحٍ، ثم اعتذَرُوا، ثم عاهَدَهم فخانُوهُ في الخَنْدَقِ.
والأصلُ الحَذَرُ مِن إمضاءِ العهدِ لناقِضِ العهدِ؛ حتى لا يكونَ في ذلك استغفالٌ بالمُسلِمينَ وشماتةٌ مِن أعداءِ الدِّينِ بهم، وقد عاهَدَ أبو عَزَّةَ الجُمَحِيُّ رسولَ اللهِ ﷺ يومَ بَدْرٍ وترَكَهُ لِبَنَاتِهِ بلا فِدْيةٍ، وأخَذَ عليه ألَّا يُقاتِلَه، فأَخفَرَهُ وقاتَلَهُ يومَ أحُد، فدَعَا رسول اللهِ ﷺ ألَّا يُفلِتَ، فما أُسِرَ مِن المشركينَ رجلٌ غيرُهُ، فقال: يا محمَّدُ، امْنُنْ عَلَيَّ وَدَعْنِي لِبَنَاتِي وَأعطِيكَ عَهدًا أَلَّا أعُودَ لِقِتَالِكَ، فقال النبيُّ ﷺ (لَا تَمْسَحُ عَلَى