للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمَّدٍ ، ومنزِلةُ أتباعِهِمْ أقلَّ مِن منزِلةِ أتباعِ أصحابِ محمدٍ : بتحريمِ الغنيمةِ عليهم، وابتلاهُم بذلك؛ فهو ابتلاءٌ عاجِلٌ، ورحمةٌ آجِلةٌ.

الحكمةُ من تأخيرِ القتالِ:

ولم يكنِ القتالُ مأذونًا به في أولِ الأمرِ؛ لِضَعْفِ المؤمنينَ وقُوَّةِ المشرِكِينَ؛ فإنَّ فَرْضَهُ أولَ الأمرِ يُخالِفُ الأخذَ بالأسبابِ الحسيَّةِ، ثمَّ أُذِنَ بالقتالِ بقولِهِ تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩]، ثمَّ نزَلَتْ آيةُ قتالِ المُبَادِئِينَ بقتالِ المسلِمِينَ، كما تقدَّمَ في سورةِ البقرةِ في قولِه تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠].

وهذه الآيةُ في ظاهرِ أمرِها أنَّها نزَلتْ مِن اللهِ بعدَ آياتِ الفرائضِ المكتوبةِ؛ كالصومِ والقِصاصِ والوصيَّةِ.

ثم أَذِنَ اللهُ بالقتالِ ابتداءً، ولم يَفرِضْهُ ولم يأمُرْ به، ثمَّ فرَضَهُ في هذه الآيةِ، وبيَّنَ حُكْمَهُ، ودفَعَ ما يَجِدُهُ الإنسانُ في نفسِهِ مِن الكراهيةِ لفَقْدِ النفسِ والمالِ والأهلِ، وأنَّ ذلك يَعلَمُهُ اللهُ، ويجبُ ألَّا يؤثِّرَ على حكمِ اللهِ وتشريعِهِ؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾؛ إشارةً إلى الأمرِ الغيبيِّ مِن المصلحةِ التي تظهَرُ للإنسانِ بما يدركُهُ بحواسِّه.

وقولُه تعالى: ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾؛ يعني: لأجلِ خوفِ فقدِ النفسِ والمالِ، وهجرِ الأهلِ والأوطانِ.

والكُرْهُ بضمِّ الكافِ هو: الكراهِيَةُ ونُفُورُ الطبعِ مِن الشيءِ حسًّا أو معنًى، وكذلك الكَرْهُ بفتحِ الكافِ: هو أيضًا نفورُ الطبعِ على الأصحِّ؛ لأنَّه جاء هنا بقراءةِ الوجهَيْنِ: الفتحِ والضمِّ.

وقيل: الكُرْهُ بالضمِّ: المشقةُ ونفورُ الطبعِ، وبالفتحِ: هو الإكراهُ مِن غيرِه جَبْرًا وقَسْرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>