أفعالَ المُنافِقينَ تُفهَمُ بسِيَاقَاتِها لا بذاتِها، فمَنْ نظَرَ إلى بعضِها بذاتِه، استحسَنَها واغتَرَّ بها، وزعَمَ الجاهلُ توبتَهُمْ وصلاحَ أمرِهم؛ وهذا ظاهرٌ في الآيةِ.
وفيما سبَقَ لمَّا بيَّنَ اللهُ لنبيِّه أنَّهم لو خرَجُوا للجهادِ - وهو عملٌ عظيمٌ صالحٌ - لَأَفْسَدُوا فيه؛ كما قال: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ [التوبة: ٤٧]، ثم قال مبيِّنًا دليلًا ظاهرًا للحُكْمِ عليهم: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ [التوبة: ٤٨]، فسِيرتُهُمُ السابقةُ بتقليبِ الأمورِ وقصدِ الفتنةِ حَرِيَّةٌ أنْ تَجْعَلَهم بَعِيدينَ عن فِعْلِ الخيرِ بِنِيَّةِ صادقةٍ، بل لغاياتِ شرٍّ وفتنةٍ.