للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانَه ووحدانيَّتِهِ؛ فأعظَمُ الأحكامِ وأجَلُّ العِلْمِ ما دلَّت عليه الفِطْرةُ، وأكَّدَتهُ الشِّرعَةُ؛ لأنَّ الأصلَ في ذلك: أَنَّه لا يُعذَرُ أحدٌ بجهلِهِ ولو لم يَبلُغْهُ الدليلُ؛ فحُرمةُ السرقة والغَصبِ والسَّلبِ والقتلِ والتعدِّي على الأعراضِ معلومةٌ بالفِطْرة، تنزلُ الأسماءُ والأحكامُ على فاعِلِهِ ولو لم يَبلُغهُ الوحيُ؛ لأنَّه قام فيه قائمُ الفِطْرة، ولا يدخُلُ في هذا ما يحتاجُ ثبوتُهُ إلى وحيٍ مِن الحقوقِ؛ كأنواعِ الرِّبا وبيوعِ الجَهَالَةِ والغَرَرِ والقِمَارِ والمَيسِرِ؛ لأنَّ بعضَ النفوسِ الصحيحةِ قد تَرضَاهَا؛ فاحتِيجَ إلى ثبوتِ الوحيِ؛ لرفع الجهلِ وقيامِ الحُجَّةِ.

ويُعرَف العدلُ بدَلالةِ الشَّرعِ ودلالةِ الطَّبْع؛ فلا تُطبَعُ النفوسُ إلَّا على حبٍّ للعَدْلِ وكرهٍ للظُّلْم؛ فالله أمَرَ بالحُكمِ بالعدلِ لمعرفة دليلِهِ بداهةً، وفي بعض الآياتِ يأمُرُ اللهُ بالحُكْمِ لما أنزَلَ اللهُ؛ لأنَّ العدلَ لا يخرُج عن حُكمِ اللهِ؛ كما في قولِه تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٨]، وقولِه ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩].

تعارُض الطبعِ والشرعِ في الظاهِرِ:

وإن وُجِدَ تعارُضٌ بينَ نصِّ الشرعِ وبينَ الطبع، ففي أحدِهما تبديلٌ؛ إمَّا أن يكونَ نصُّ الشرعِ مُبدَّلًا، ومُحرَّفًا، فليس نصًّا للشرعِ حقيقةً، وإمَّا أن يكونَ الطبع مبدَّلًا، وإذا كان النصُّ صحيحًا صريحًا مُحكَمًا، فالطبع مبدَّلٌ منحرفٌ عن الحقِّ؛ إمَّا بهَوَى النفسِ الخاصِّ؛ كما في قولهِ تعالى ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: ٢٦] وإمَّا بهَوَى النفوسِ الأخرى؛ فيَمِيلُ مجاملةً ومحاباةً؛ كما حذَّرَ الله نبيَّه في قولهِ ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: ٤٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>