للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}؛ الآيةَ (١).

وجاء عن أبي مالكٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ.

وعَن مُرَّةَ عَنِ ابنِ مَسعودٍ، بنَحوِه.

استغلالُ المشرِكِين لأخطاءِ المسلمين:

واللهُ يرُدُّ على المشرِكِينَ استنكارَهُمْ قتالَ الصحابةِ في الشَّهْرِ الحرامِ، مع أنَّهم يَصُدُّونَ عَنِ المسجِدِ الحرامِ، فأخرَجُوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وصَحْبَهُ مِن مَكَّةَ، بل توعَّدوهم إنْ لَقُوهم بالقتلِ، واللهُ إنَّما حرَّم القتالَ في الأشهُرِ الحُرُمِ؛ حتَّى لا يُقطَعَ سبيلُ السائِرِينَ إلى البيتِ، فما عُظِّمَتِ الأشهُرُ الحرُمُ لِذَاتِها، ولكنْ لتعظيمِ المسجدِ الحرامِ، فحُرْمَتُها تابِعةٌ لا ذاتيَّةٌ، وحرمةُ المسجِدِ الحرامِ ذاتيَّةٌ، والحرمةُ الذاتيَّةُ أقوى وأعظَمُ؛ لأنَّها لا ترتفِعُ بحالٍ، والحُرْمةُ التابِعةُ تُرفَعُ وتُوضَعُ بحسَبِ تحقُّقِ المقصدِ منها.

والمشرِكُونَ صَدُّوا النبيَّ وصحابتَهُ عن المسجدِ الحرامِ سِنينَ عددًا متتالِيَةً، واسْتَنْكَروا قتالَ الصحابةِ يومًا في آخِرِ جُمادَى وأوَّلِ رجَبٍ.

والمرادُ بالصَّدِّ هنا في قولِه: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، يَعني: عن قاصدِ البيتِ الحرامِ للعبادةِ؛ صلاةً وطوافًا، واعتكافًا ومجاوَرةً، وصَدَقةً ونُسُكًا، والصدُّ عن المسجدِ الحرامِ؛ بالقتالِ وغيرِه، في الأشهُرِ الحُرُمِ وغيرِها: يَقطَعُ عن البيتِ الحرامِ السبيلَ والرِّزْقَ، وينفي عنه الأَمْنَ، فيُهجَرُ ويَزهَدُ الناسُ فيه، وهو أعظَمُ البقاعِ عندَ اللهِ، وأَحَبُّها إليه؛ وهذه الآيةُ أصلٌ في سَدِّ الذَّرَائعِ.

وإنَّما عُظِّمَتْ أشهرٌ بعَيْنِها؛ لأنَّ رَجَبًا موضِعُ سَيْرِ الحاجِّ مِن الآفاقِ


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٦٥٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٣٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>