الحالةُ الثانيةُ: مَن طلَبَها وسألَها لحظِّ الناس، فغايتُهُ نفعُ الناسِ وجَلْبُ الخيرِ إليهم، ودفعُ الضُّرِّ عنهم، كما فعَلَ يوسُفُ، وهذا الطلبُ بحسَبِ أحوالِ الناسِ وزمانِهم: فإنْ كان الزمنُ زمنَ استقرارِ حالِ ويقوم بالوِلَايةِ والعدلِ فيها مَنْ تولَّاها مِن سائرِ الناس، فالأَوْلى عدمُ طلبِها؛ لأنَّه قد يُدرِكُهُ مِن الغُرْمِ أكثرُ ممَّا يُدرِكُهُ مِن الغُنْمِ.
وإنْ كان الناسُ في زمنِ شرٍّ وفسادٍ وظُلمٍ وإقبالِ على هلاكٍ كما في مصرَ زمنَ يوسُفَ، فقد يجبُ على مَن عَلِمَ مِن نفسِهِ إنقاذَ الناس، وغلَبَ على ظنِّه ألَّا يُحسِنَ أحدٌ إحسانَهُ، ولا يَملِكَ مِن أمورِ النجاةِ مِثلَهُ، وبمِقْدارِ كثرةِ الشرِّ المدفوعِ يتأكَّدُ طلبُ الوِلاية، وبمِقدارِ قِلَّتِهِ يَخِفُّ، ودفعُ الشرِّ أعظَمُ مِن جلْبِ الخيرِ للناسِ! لأنَّ جلبَ الخيرِ يُحسِنُهُ الكثيرُ، ودَفْعَ الشرِّ وإصلاحَ الفسادِ والظُّلْمِ لا يُحسِنُهُ إلَّا القليلُ.
وبينَ هاتَيْنِ الحالتَينِ مَراتِبُ ودرجاتٌ دقيقةٌ، تَتفاوَتُ في مقاصدِ النفوسِ من طلبِ الوِلَايةِ بينَ حظِّ النَّفْسِ وحظِّ الناسِ.
طَلَبُ الوِلَايةِ في بلدِ الكُفْرِ:
لم تكن مصرُ في زمنِ يوسُفَ بلدَ إسلام، وقد بعَثَهُ اللهُ إلى قومٍ مُشرِكينَ فشَكُّوا في رِسَالتِه، ولم يُصدِّقوهُ في دَعْوتِهِ حتى مات؛ كما قال تعالى في سورةِ غافرٍ: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (٣٤)﴾ [غافر: ٣٤].