وإنَّما كلامُ السلفِ هو في إسلامِ عزيرِ مصرَ ومَلِكِها، وقد اختُلِفَ في إسلامِهِ:
لقد صحَّ عن مجاهدٍ: أنه أسلَمَ (١).
وذهَب جماعةٌ مِن العلماءِ ومِن النَّقَلَةِ عن بني إسرائيلَ: أنه لم يكنْ مسلمًا.
وعلى أحسَنِ أحوالِ مُلْكِهِ أنه كحالِ النَّجَاشِيِّ؛ مسلمٌ على قومٍ مشرِكينَ، كما في ظاهرِ الآيةِ أنَّ قومَه مُشرِكونَ، وإذا كان كذلك، فإنَّه لم يُظهِر إسلامَهُ كحالِ النَّجَاشِيِّ.
وقد أخَذ بعضُ العلماءِ جوازَ تَوَلِّي المسلمِ الولايةَ تحتَ حُكمٍ كافرٍ لإقامةِ العدلِ ودفعِ الظُّلْم، وإذا جازَ مِن النَّجَاشِيِّ ومِن مَلِكِ مصرَ - إنْ صحَّ إسلامُهُ - أنْ يحكُمَ قومًا كافرينَ، ولا يُظهِرونَ حُكمَهُمْ فيهم بحُكمِ اللهِ الظاهرِ لهم الذي به يَعرِفُ الناسُ إسلامَهم، فإنَّ جوازَهُ لِمَنْ تولَّى وِلايةَ صُغْرَى تحتَهُ مِن بابِ أَولى، فلو كان تحتَ النَّجَاشِيِّ والٍ يكتُمُ إسلامَهُ مِثلَهُ ولم يَعلَمْ أحدُهما بالآخَر، وتولَّى ليقومَ بالقِسْطِ ويَدفَعَ الظُّلْمَ، ويظُنُّ أن الملِكَ النَّجَاشِيِّ باقٍ على كفرِه، فإنَّه لا يصحُّ أن يُحْكَمَ بكفرِ مَن تحتّ النجَاشِيِّ ويُحكَمَ بإسلامِ النجَاشِيِّ نفسِه، فإنْ صحَّ للنجاشِيِّ الإسلامُ وحالُه تلك، فإنَّ صحَّتَهُ لِمَنْ دونَهُ مِن بابِ أَولى، بل إنَّ الأمرَ بيدِ النحاشِيِّ أَقْوى مِن يدِ مَن دونَهُ مِن أصحابِ الوِلاياتِ الصُّغرى.
وقد تولَّى بعضُ الأئمَّةِ كصلاحِ الدِّينِ الأيوبيِّ الوِزَارةَ في الدولةِ العُبَيْدِيَّة، وتولَّى جماعة القضاءَ فحكَمُوا بالعدلِ في زمنِ الدولة البُوَيْهِيَّةِ والعُبَيدِيَّة، ولم يحكُمِ الأئمَّة بكفْرِهم لمجرَّدِ كونِهم تحتَ وِلَايةٍ مشركةٍ،