للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأَحَبَّ أن يزولَ العدوُّ الأعلى بالعدوِّ الأدنى، بدلًا مِن قتالِ عدوَّيْنِ، أو قتال العدُوِّ الأعلى.

وفَرَحُ النبيِّ بما يَغِيظُ قريشًا دليلٌ على استحبابِ الفرحِ بما يَغيظُ ويُصيبُ العدوَّ المُحارِبَ، وقد اعتبَرَ اللَّهُ مِن مقاصدِ قتالِ العَدُوِّ: شفاءَ صدورِ المؤمنينَ، وذَهَابَ غَيْظِ قلوبِهم؛ كما تقدَّم عندَ قولِه تعالى: ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٤ - ١٥].

وفي هذه الآياتِ: بيانٌ لحِكْمةِ النبيِّ وأصحابِهِ في معرفةِ مَراتبِ الأعداءِ قُرْبًا وبُعْدًا مِن الحقِّ؛ فإنَّ الأعداءَ ليسوا على بابٍ واحدٍ في الشرِّ والعَدَاءِ، ولا يَتعامَلُ مع الأعداءِ على أنَّهم شيءٌ واحدٌ إلَّا وهو يتعاملُ مع الحُلَفاءِ على أنَّهم شيءٌ واحدٌ، فيُؤتَى مِن مَأْمَنِه، ويجتمِعُ أعداؤُهُ عليه فيَستأصِلُونَه؛ وهذا جهلٌ بالسياسةِ، وليس مِن الفِقْهِ في الدِّينِ.

رِهانُ أبي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، والرِّهَانُ في إظهارِ الحقِّ:

وقد راهَنَ أبو بكرٍ بعضَ قريشٍ في غَلَبةِ الرُّومِ على فارسَ؛ كما تقدَّمَ في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ وابنِ مسعودٍ والبَرَاءِ ونِيَارٍ، وجاءتِ القصةُ مِن مُرْسَلِ قتادةَ (١)، وعِكْرِمةَ (٢)، وابنِ شهَابٍ، وعبدِ اللَّهِ بنِ عُتْبةَ بنِ مسعودٍ (٣)، وقد كان ذلك بمكةَ قبلَ تحريمِ الجَهالةِ والغَرَرِ والرِّبا، والنهيُ عن المُقامَرةِ ونزولُ آيتِها كان بالمدينةِ في غزوةِ بني النَّضِيرِ بعدَ أُحُدٍ، وقد اختلَفَ العلماءُ في دخولِ رِهَانِ أبي بكرٍ في النهي؛ فإنْ كان داخلًا فهو منسوخٌ، وإنْ لم يكنْ داخلًا في النهي، فهو داخلٌ في عمومِ ما استُثنِيَ؛ كما روى أحمدُ وأهلُ السُّننِ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال: قال


(١) "تفسير الطبري" (١٨/ ٤٥٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٣٠٨٧).
(٢) "تفسير الطبري" (١٨/ ٤٥٠).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٣٠٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>