للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسُدَ، فيُجْرِي الله عَدْلَهُ وانتصارَهُ للمظلومِ حتى في الحيوانِ؛ كما في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا؛ قال رسولُ اللهِ: (لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ القِيَامَة، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاء، مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ) (١)، وَيُروى في الأثرِ: "لو أنَّ جَبَلًا بَغَى على جَبَلٍ، لَدَكَّ اللهُ البَاغِيَ منهما" (٢).

ويستجيبُ اللهُ للكافرِ المظلومِ دَعْوَتَهُ ولو على مسلِمٍ؛ لِمُقتضَى عدلِهِ سبحانَهُ في كونِه.

لهذا قد يستقيمُ عيشُ الكافرِ بالعدلِ كاستقامةِ عيش الحيوانِ, ولكنْ لا تستقيمُ آخرتُهُ إلا بالإِسلام، وبالإسلامِ تستقيمُ الحياةُ الدُّنيا والآخِرةُ جميعًا, وبمقدارِ النقصِ في الإسلامِ يكونُ الميلُ في استقامةِ الحياتَيْنِ.

المظالِمُ التي تكونُ بين الكافِرِ والمسلمِ:

وأمَّا حقوقُ الكافرِ التي على المسلمِ في الدُّنيا، فإنْ لم يُعجِّلِ الله للكافرِ حقَّه في الدُّنيا بعقوبةِ المسلم، أو رزقِ الكافرِ بنعيم دنيويٍّ عاجلٍ، فيُحاسَبُ عليها المسلمُ يومَ القيامةِ؛ فتَنقُصُ مِن حسناتِهِ فتُؤخَذُ منه، ولا تُوضَعُ للكافرِ ولا ينتفِعُ بها؛ لأنَّ الحسناتِ المأخوذةَ هي جزاءُ عملٍ صالحٍ للمسلمِ في الدُّنيا، فلو كانت مِن عملِ الكافرِ نفسِه، لم تُقبَلْ منه، فلا يأخذُها اللهُ مِن المسلمِ لِيُعطيَها الكافرَ لِينتفِعَ بعملِ غيرِهِ وهو لا ينتفِعُ

بعملِ نفسِه، ولكنَّه يُحرَمُ نفْعَها لكفرِه، ويكونُ ما نزَلَ به في الدُّنيا مِن عمومِ العقوبةِ والبلاءِ الذي يُقدِّرُهُ اللهُ عليه مِن مرضٍ وخوفٍ، وهمٍّ وحزنٍ؛ فيَطُولُ عمرُ كافرٍ وَيقْصُرُ عمرُ آخَرَ، وَيمرَضُ كافرٌ ويَصِحُّ آخَرُ كحالِ البهائمِ، مع أنَّ ظُلمَهُ محرَّمٌ ويُعاقَبُ عليه الظالمُ ولو كان مسلمًا،


(١) أخرجه مسلم (٢٥٨٢) (٤/ ١٩٩٧).
(٢) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (٥٨٨)، عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>