والسَّلَفَ مِن الصحابةِ والتابعينَ: عَلَى أنَّها رخصةٌ؛ وهو قولُ أكثرِ الفقهاء، وهو قولُ الشافعيِّ وأحمدَ، بل قال مالكٌ: إنَّها سُنَّةٌ.
وخالَفَ أبو حنيفةَ وشيخُهُ حمَّادٌ في ذلك؛ إذْ جعَلَا القَصْرَ فرضًا في السَّفرِ، كالإتمامِ في الحضَرِ! وقد أخَذَا بظاهرِ حديثِ عائشةَ السابقِ:"أُقِرَّت صلاةُ السَّفرِ"، وجعَلا صلاةَ السَّفَرِ لم تكُنْ أربعًا.
وهذا مخالِفٌ لِظاهرِ القرآنِ؛ فالله رفَعَ الحرَجَ عَنِ المُصلِّي إذا قصَرَ صلاتَهُ في سفَرِه، ورفعُ الحرَجِ يدلُّ عَلَى جوازِ القَصْر، ولا يدلُّ عَلَى وجوبِه، وفي لغةِ العربِ أنَّ الحرَجَ يُرفَعُ لإباحةِ الشيءِ وليس لوجوبِه.
ومَن نظَرَ في ظاهرِ القرآنِ والسُّنَّة، تيقَّن أنَّ قصرَ الصلاةِ في السفرِ كان بعدَ صلاةِ النبيِّ ﷺ بأصحابِه صلاةَ الحضَرِ تامَّةً لسِنِينَ، وعائشةُ لم تُرِدْ أنَّ القَصْرَ جاء مع زيادةِ الصَّلاةِ لأربعٍ، فهي أعلَمُ الناسِ بذلك، ولكِنْ لمَّا كان الأصلُ في الناسِ الإقامةَ، لم يكُنِ التلبُّسُ بالسفرِ أصلًا، فحمَلَتِ القصرَ العارضَ عَلَى الأصلِ السابقِ للصَّلاة، وهو الرَّكْعتان، وكأنَّ السفرَ سُكِتَ عنه، ثُم أُقِرَّ عَلَى ما مَضى، وأنَّ السكوتَ عنه يَجعلُه تابعًا للأصل، وهو الإتمامُ في الإقامة، فحُكمُ السفرِ ثبَتَ تبَعًا للحضَر، ولَمَّا جاء حُكمْ القصرِ في السفرِ بالنصّ، استقَلَّ بنفسِهِ بنصٍّ مستقلٍّ عمَّا