للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوبُ حفظِ الأموالِ وعدمِ السَّرَفِ:

وحرَّمَ اللهُ إيتاءَ السفهاءِ المالَ؛ لأنَّ المالَ ولو كان ملكًا بيدِ العبد، فهو حقٌّ لله، لا يجوزُ التخوُّضُ فيه بلا حقٍّ؛ ففي "الصحيحِ"؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القيَامَةِ) (١).

واللهُ مَلَّكَ الإنسانَ مالَهُ لِيندبَّرَهُ وينتفِعَ ويستمتِعَ به، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩]، وحَدَّ ذلك بالتدبيرِ وحَسْنِ التصرُّفِ؛ كما قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف - ٣١].

بل نَهَى اللهُ عن السَّرَفِ حتى في النفقةِ إذا أضَرَّ بصاحِبِهِ وأهلِه في غيرِ ما ضرورةٍ عامَّةٍ بالأمَّةِ؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧].

وفي "السُّنَنِ"؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (كلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا، مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ) (٢).

وفي الآيةِ: حفظٌ للمالِ حقًّا للهِ وحقًّا لصاحِبِ المالِ أنْ يُهدِرَهُ وهو في حاجة إليه؛ ولذا جعَلَ اللة الوِلايةَ والقِوامةَ، فأمَرَ بالإنفاقِ على السفيهِ والإحسانِ إليه، وأنَّ النهيَ عن تصرُّفِه في المالِ في موضعٍ لا يُحسِنُهُ: لا يعني ظُلْمَهُ والتقصيرَ في حقِّه؛ وقد روى ابنُ جريرٍ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسِ؛ قال: "كُنْ أَنْتَ الَّذِي تُنْفِقُ عَلَيهِمْ فِي كِسْوَتِهِمْ وَمُؤْنَتِهِمْ" (٣).

وأمَرَ اللهُ - مع حبسِ المالِ عن تصرُّفِهم والإنفاقِ عليهم - بالإحسانِ إليهم حتى في القولِ؛ تطييبًا لنفوسِهم، وكسبًا لودِّهم؛ لأنَّهم يَجهَلُونَ


(١) أخرجه البخاري (٣١١٨) (٤/ ٨٥).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٣٦٠٥) (٢/ ١١٩٢).
(٣) "تفسير الطبري" (٦/ ٣٩٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>