للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عصمةُ الأموالِ والأنفُسِ والدفعُ عنها:

ثمَّ ذكَرَ الله تحريمَ قتلِ النفسِ بقولِه {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} بعدَما ذكَرَ تحريمَ أموالِ المؤمِنينَ وأخذِها بالباطل، وليس هذا تعظيمًا للأموالِ على الأنفُس، ولكنْ يظهَرُ أنَّ في ذِكرِ قتلِ النفوسِ بعدَ الأموالِ إشارةً إلى أنَّ أكثرَ ما يتنازَعُ الناسُ وَيتخاصَمونَ ويَتقاتَلونَ بسببِ الأموالِ وعدمِ امتثالِ أمرِ اللهِ وحدودِه في الأموالِ؛ فيَبْغِي بعضُهم على بعض، وَيسْرِقُ بعضُهم بعضًا، ويَغُشُّ وَيَغُرُّ ويَخدَعُ ويُدلِّسُ بعضُهم على بعضٍ، فيَتنازَعونَ ويَتقاتَلونَ لِما جُبِلَتْ عليه النفوسُ مِن الشُّحِّ والطمعِ والأثَرَةِ.

وليس في الآيةِ نهيٌ عن دفعِ الإنسانِ عن مالِهِ؛ إذا أُرِيدَ منه ظُلْمًا وغضبًا، فله أنْ يدفَعَ الصائلَ عنه، وقد استفاضَتِ الأحاديثُ في ذلك؛ ففي "صحيحِ مسلمٍ"، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: (فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ)، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: (قَاتِلْهُ)، قَالَ: أَرَأيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: (فَأَنْتَ شَهِيدٌ)، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: (هُوَ فِي النَّارِ) (١).

وفي الحديثِ الآخَرِ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِه، فَهْوَ شَهِيدٌ) (٢).

وفي الباب مِن حديثِ قَابُوسَ بْنِ أبي المُخَارِق، عن أبيهِ؛ عندَ أحمدَ والنَّسائيِّ (٣).

ومَن أُرِيدَ مالُهُ منه غصبًا، فهو بالخيارِ: إنْ شاء قاتَلَ دونَ مالِه ولو كان قليلًا، ولو قُتِلَ فهو شهيدٌ، أو يُسْلِمُ مالَهُ ليَحفَظَ نفسَهُ كأنْ يكونَ


(١) أخرجه مسلم (١٤٠) (١/ ١٢٤).
(٢) أخرجه البخاري (٢٤٨٠) (٣/ ١٣٦)، ومسلم (١٤١) (١/ ١٢٤).
(٣) أخرجه أحمد (٢٣٥١٣) (٥/ ٢٩٤)، والنسائي (٤٠٨١) (٧/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>