حديثِ عبد اللهِ بنِ أبي أَوْفَى؛ قال ﷺ:(لَا تَتَمنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوّ، وَاسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا)(١).
وإنَّما استُحِبَّ الصمتُ عندَ القتالِ؛ حتى لا ينشغِلَ المُقاتِلُ في الصَّفِّ بغيرِ الله، ولا يُثِيرَ الهلَعَ في نفوسِ المُسلِمينَ بخوفِهِ وفَزَعِه، ولا يدُلَّ العدوَّ عليه بكلامِه؛ بخلافِ ما يكونُ فيه الكلامُ لمصلحةِ الِمُسلِمينَ مِن التثبيتِ والتصبيرِ والدَّلالةِ على مَكامِنِ العدوِّ ومَواضعِ ضَعفْهِ.
في هذه الآيةِ: تعظيمٌ للاجتماع، وتحذيرٌ مِن الافتراقِ، خاصَّةً عندَ لقاءِ العدوّ، وقد قدَّمَ اللهُ طاعتَهُ وطاعةَ نبيِّه على نهيِهِ عن التنازُعِ وأمرِه بالاجتماعِ؛ للدَّلالةِ على أنَّ المرادَ بالاجتماعِ: أنه على طاعتِهما، لا على الهَوى والدُّنيا ومَطامِعِها، فالاجتماعُ على غيرِ الحقِّ مذمومٌ، والتفرُّقُ بالحقِّ محمودٌ، وهكذا فعَلَ الأنبياءُ مع أُمَمِهم، وهذا الحمدُ للاجتماعِ مُقَيَّد بالحقِّ الذي يثُبتُ به الدِّينُ، لا أنْ تختلِفَ الأُمَّةُ على فروعِ الدِّينِ اختلافًا يشُقُّ صَفَّها في مُقابِلِ عدوِّها، وتتفرَّقَ فيتسلَّطَ عليها الكفرُ ودَوْلَتُه، بحُجَّةِ أنَّ الاجتماعَ يحبُ أنْ يكونَ على حقِّ كاملِ أو يكونَ الافتراقُ، فهذا لا يقولُ به الَّا جاهلٌ مِن أهلِ الغُلُوِّ والتنُّطعِ.