للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنواعُ الكرْه والمحبَّةِ:

والكُرْهُ والمحبَّةُ كلاهما على نوعَيْنِ: كُرْهٌ ومحبَّةٌ طَبَعيَّةٌ، وكرهٌ ومحبَّةٌ شرعيَّةٌ:

الأولُ: الكُرْهُ الطَّبعيُّ، والمحبَّةُ الطبعيَّةُ؛ وذلك كما في الآيةِ، وكقولِهِ تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: ١٥]، وهذا النوعُ لو وجَدَهُ العبدُ في أمرٍ شرعيٍّ؛ ككراهةِ النفسِ للقتلِ ولو كان في سبيلِ اللهِ لِحُبِّ النفسِ للحياةِ، وشدةِ إخراجِ المالِ على النفسِ ولو كان زكاةً ونَفَقَةً، وكراهةِ الوضوءِ في اليومِ الباردِ، وكراهةِ المرأةِ أنْ يتزوَّجَ عليها زَوْجُها -: فلا يقَعُ فيه تكليفٌ، ما لم يُنزلْهُ الإنسانُ على التشريعِ وحُكْمِ اللهِ، فيَكْرَهَ التشريعَ وحُكْمَ اللهِ بعينِهِ، لا آثارَهُ عليه؛ وإلا فالأصلُ أنَّ حُكمَهُ حُكْمُ خَطَرَاتِ النفسِ وحديثِها.

وعلامةُ ذلك: أنَّ المؤمِنَ قد يَجِدُ في نفسِهِ كُرْهًا لآثارِ الحُكْمِ، لا لذاتِ الحُكْمِ، فلو عَلِمَ أنَّه لن يُقتَلَ، لَزَالَ عنه ما يَجِدُ، ولو لم يَجِدْ شدةَ البَرْدِ، لَزَالَ عنه ما يجدُ مِن كُرْهِ الوضوءِ في الشتاءِ، والمراةُ تجدُ في نفسِها في زواجِ زوجِها عليها، ولا تجدُ في نفسِها عندَ زواجِ غيرِ زوجِها عَلَى زوجِته؛ فهذا الكُرْهُ طَبَعيٌّ، لا يُؤاخَذُ الإنسانُ عليه؛ بل يُؤجَرُ على مجاهدتِهِ والصبرِ عليه.

فالنفورُ مِن الشيءِ في نفسِهِ يختلِفُ عن النفورِ مِن آثارِه؛ فمَن كَرِهَ الجهادَ ولو كان يقومُ له غيرُهُ، والنفقةَ ولو كانت مِن مالِ غيرِه، فهذا كرهُ التشريعِ، وكُرْهُهُ ليس كُرْهَ طَبْعٍ، ونفورُهُ ليس نفورَ نَفْسٍ.

وهذا هو الكُرْهُ الطبعيُّ، فكذلك المحبَّةُ الطبعيَّةُ؛ وذلك كميلِ النفسِ إلى حُبِّ المالِ والتكثُّرِ منه ولو كان حقًّا للغبر، مع كرهِ السرقةِ ونحوِها واعتقادِ تحريمِها وكمَيْلِ النفسِ الأمَّارةِ بالسوءِ إلى شهوةِ الفرجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>