سورةُ بَراءةَ مدَنيَّةٌ، وهي كاشفةٌ لأحوالِ المُنافِقينَ الظَّاهِرةِ والباطِنة، ولم يَكُنْ في مَكَةَ قبلَ الهجرةِ نِفَاقٌ؛ فهو إمَّا كفرٌ، وإمَّا إيمانٌ؛ وذلك لِضَعْفِ المُسلِمينَ وقوَّةِ الكُفرِ؛ لأنَّ النِّفاقَ إخفاءُ الإنسانِ ما لا يًظهِرُه، ودافِعُ ذلك الخوفُ، فإذا أمِنَ المُنافِقُ مِن تَبِعَةِ قولِهِ وفِعلِه، أظهَرَه، وكلَّما كان المُسلِمونَ أَقْوى، كان النِّفاق أَخْفى؛ ولذا قال حُذَيْفةً بن اليَمَانِ:"إِن المُنَافِقِينَ اليَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ؛ كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ، وَاليَوْمَ يَجهَرْونَ"، رواهْ البُخاريُّ (١).
سببُ النِّفاقِ:
وسببُ النِّفاقِ: هو حبُّ الدُّنيا؛ ولهذا لم يَكُنْ في المهاجِرينَ مُنافِقٌ؛ لأنَّهم خرَجُوا مِنَ الدُّنيا وترَكُوها، وكان النِّفاقُ في أهلِ المدينةِ؛ لأن الإسلامَ أتاهُم وهم على دُنياهم ولم يَخرُجُوا إليه كالمُهاجِرِين، فأَخرَجَتْ مكَّةَ أَصْفَى أهلِها وأزْكاهم قلوبًا؛ وهم المُهاجِرون، وكان في أهلِ المديةِ مُؤمِنون، وهم الأكثرُ، وفيهم مُنافِقون، يتَفاوَتونَ في نِفاقِهم وشَرِّهم.
نُزُولُ بَرَاءةَ وأسماؤُها وإحكامُها:
وسورة بَرَاءةَ مِن أواخِرِ ما نزَلَ على النَّبيِّ ﷺ؛ قال البَرَاءُ: "آخِرُ