للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُورَةٍ نَزَلَت: بَرَاءَةً، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: ١٧٦] "؛ رواهُ الشَّيْخانِ (١).

وقد كان نزولُها متأخِّرًا، وليس جميعُها آخِرَ ما نزَلَ؛ وإنَّما بعضُ آياتِها، فقد كان نُزولُ أوَّلِها في فتحِ مَكَّةَ، وبعضُ آياتِ المائدةِ في حَجَّةِ الوَداع، وهو قولُهُ تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣].

وقد قال عُثمانُ بن عفَّانَ: "كَانَت بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ القُرْآن"؛ رواهُ أحمدُ وأهلُ السُّنَنِ (٢).

واختَصَّتْ سورةُ براءةَ بالتمييزِ بينَ الصفوتِ وعَقدِ الوَلَاءِ لأهلِ الإيمان، والبَرَاءِ مِن أهلِ الكُفْرِ والنِّفاق، وكشَفَتْ دَخِيلَ الأفعالِ والأقوال، وعلاماتِ الدُّخَلاءِ على صفِّ المُسلِمينَ، ولهذا كان ابنُ عبَّاسِ يُسمِّيها الفاضِحةَ؛ كما رَوَى الشَّيْخان، عن سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ؛ قال: "قلتُ لابنِ عبَّاسِ: سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: التَّوْبَةُ هِيَ الفَاضِحَةُ، مَا زَالَت تَنْزِلُ: وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَنْ تُبْقِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا" (٣).

وكان عمرُ بن الخَطَّابِ وحُذَيْفةُ يُسمِّيانِها سورةَ العَذَابِ؛ لِما فيها مِن تشديدٍ على أهلِ الزَّيْغ، ووعيدِ بالعَذَابِ العاجِلِ والآجِلِ لهم؛ كما رَوَى سعيدُ بن جُبَيْر، عنِ ابنِ عبَّاسِ -رضي الله عنه-، قال: "قيلَ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ -رضي الله عنه-: سورةُ التَّوْبةِ؟ فقال: أيَّة سورةُ التَّوْبةِ؟ ! قالوا: بَراءَةُ، قال: هي إلى أن تَكُونَ سورةَ العَذَابِ أدنى مِن أنْ تَكُونَ سورةَ التَّوْبةِ؛ ما


(١) أخرجه البخاري (٤٦٠٥)، ومسلم (١٦١٨).
(٢) أخرحه أحمد (١/ ٥٧)، وأبو داود (٧٨٦)، والترمذي (٣٠٨٦)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٧٩٥٣).
(٣) أخرجه البخاري (٤٨٨٢)، ومسلم (٣٠٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>