وأمَّا مَنْ يجعلُ العينَ تحرُمُ يذلك؛ لقولِه تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ بعدَما ذكَر اللَّهُ تحريمَ نبيِّه على نفسِه، فإنَّ قولَه تعالى: ﴿تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ ليس المرادُ به التحليلَ بعدَ تحريمٍ، وإنَّما المرادُ له الحِلُّ بعدَ عَقْدٍ؛ فاليمينُ تُعقَدُ؛ كما في قولِهِ تعالى: ﴿عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩]، فالكفارةُ تَحُلُّ ما انعقَدَ عليه القلبُ، وليس الحُكْمَ الذي انعقَدَ على العَيْنِ.
تحريمُ الحلالِ يمينٌ وكَفَّارتُه:
ومَنْ قصَدَ بتحريمِهِ حلالَ الطعامِ والشراب واللِّباسِ على نفسِهِ أنْ تكونَ يمينًا تَمنعُهُ عن تلك الأشياءِ، لقد اختُلِفُ في جعلِ تحريمِ الحلالِ يمينًا، وفي المحلوفِ به فيها:
وجمهورُ العلماءِ: على جوازِها؛ لأنَّ الحالفَ لم يَحلِفْ بمخلوقٍ؛ وإنَّما هو الزامٌ للنَّفْسِ بشيءٍ أمامَ اللَّهِ، وحالُه كحالِ النَّذْرِ.
قولُهُ تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾: لمَّا ذكَر اللَّهُ تعالى تحريمَ الحلالِ، ذكَر أَنَّه ينعقدُ على إلزامٍ كاليمينِ الصريحةِ، فجعَل له حَلًّا في قولِه: ﴿تَحِلَّةَ﴾، ثمَّ سمَّاهُ اللَّهُ تعالى يمينًا في قولِه: ﴿أَيْمَانِكُمْ﴾.
ولكنَّ السلفَ مختلِفونَ في تحريمِ النبيِّ ﷺ على نَفْسِه: هل كان تحريمًا مجرَّدًا فتكونَ التَّحِلَّةُ متعلِّقةً بالتحريمِ المجرَّدِ، أو اقترَنَ بيمينٍ فتكونَ التَّحِلَّةُ. في الآيةِ على اليمينِ لا على التحريمِ:
فمِن السلفِ: مَن قال: إنَّه حرَّم على نَفْسِهِ فجعَلَها اللَّهُ يمينًا ولم يكنْ معها يمينٌ؛ وهذا ظاهرُ قولِ الحسنِ وقتادةَ (١).