للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم مَن قال: إنَّ النبيَّ حلَفَ يمينًا مع تحريمِه؛ وهذا قولُ الشَّعْبيِّ ومسروقٍ وابنِ زيدٍ (١).

وقد اختلَفَ العلماءُ في كفارةِ تحريمِ الحلالِ المجرَّدِ عن لفظِ اليمينِ: هل يَلزَمُ عليه كفارةٌ أو لا؟

ذهَب الحنفيَّةُ والحنابلةُ: إلى لزومِ الكفارةِ فيه؛ لِمَا تقدَّم حيثُ جعَلَ اللَّهُ تحريمَ الحلالِ يمينًا، ثمَّ جعَلَ له تَحِلَّةً، وله قال عمرُ؛ رواهُ عنه عِكْرِمةُ (٢)، وقد صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال: "إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا، وقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١] "؛ رواهُ مسلمٌ (٣).

وجاء عن ابنِ مسعودٍ (٤)، وعائشةَ (٥): أنَّ فِيه كفارةَ يمينٍ، وقد صحَّ هذا عن جماعةٍ مِن التابعينَ، منهم مسروقٌ والحَسَنُ وقتادةُ (٦).

ويدُلُّ على ذلك: أنَّ اللَّهَ تعالى لمَّا ذكَرَ تحريمَ الحلالِ، لم يرتِّبْ عليه حُكمًا؛ وإنَّما نَهَى عنه، ورتَّب الحُكْمَ على اليمينِ؛ سواءٌ كانتْ بلفظِ اليمينِ أو لفظِ الحرامِ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى قال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٨٧]، ولم يذكُرْ حُكْمًا غيرَ النهي، ثمَّ لمَّا ذكَر اليمينَ بعدَها، رتَّب عليها حُكْمَ الكفارةِ؛ فقال


(١) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٨٤).
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (١٧٠١)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٨١٨٩)، وأحمد في "مسنده" (١/ ٢٢٥)، والدارقطني في "سننه" (٤/ ٤٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٣٥٠).
(٣) أخرجه مسلم (١٤٧٣).
(٤) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (١٦٩٣)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٨٢٠٠)، وابن المنذر في "الأوسط" (٩/ ١٩٠) والطبراني في "المعجم الكبير" (٩٦٣٢).
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٨١٩١)، والدارقطني في "سننه" (٤/ ٦٦)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٣٥١).
(٦) ينظر: "تفسير ابن كثير" (٨/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>