للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ﴾ الآيةَ [المائدة: ٨٩]، وجعَلَ كلَّ يمينٍ لفظًا وما قُصِدَ به اليمينُ معنًى، أخَذَ حُكْمَها في الكفارةِ، والصحابةُ لم يَجْعَلوا في الحرامِ سوى الكَفَّارةِ.

وذهَب المالكيَّةُ والشافعيَّةُ: إلى أنَّ تحريمَ الحلالِ ليس فيه كفارةٌ حتى يكونَ بلفظِ الحَلِفِ باللَّهِ الصريحِ، واستُدِلَّ لذلك بما تقدَّم مِن أنَّ اللَّهَ نَهَى عن تحريمِ الحلالِ، ولم يُوجِبْ عليه كفارةً، ولمَّا ذكَرَ اليمينَ أَوْجَبَ فيها كفَّارةً، وأنَّ النبيَّ حَلَفَ مع تحريمِهِ ولم يكنْ تحريمًا مجرَّدًا؛ كما جاء في قولِ الشَّعْبيِّ وقتادةَ -في روايةٍ- وزيدِ بنِ أسلَمَ (١)، والتَّحِلَّةُ في آيةِ التحريمِ على يمينِهِ، لا على تحريمِه.

والأظهَرُ: وجوبُ الكفارةِ في التحريمِ؛ وذلك أنَّ المنعَ مِن الفعلِ بالتحريمِ كالمنعِ منه باليمينِ، وهو قولُ الصحابةِ، وليس بينَهم اختلافٌ، وأمَّا ما جاء عن بعضِ السلفِ: أنَّ النبيَّ حلَفَ مع تحريمِه، فلا يَلْزَمُ القولَ بأنَّه حلَفَ أنَّ التحريمَ لا يكونُ يمينًا وَحْدَهُ عندَهم، ولكنَّ اليمينَ تصريحٌ وتأكيدٌ، وقد كان قتادةُ يَرْوِي أنَّ النبيَّ حلَف مع تحريمِه، ومع ذلك يُوجِبُ الكفارةَ في التحريمِ، ومِن الرُّواةِ مَن ينقُلُ الحَلِفَ ويجعلُه هو معنى التحريمِ ومقتضاهُ، ولا يريدُ أنَّ النبيَّ حلَفَ بنفسِهِ بلفظٍ مستقِلٍّ عن التحريمِ، وقد رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ قولُه: فَصَيَّرَ الحَرَامَ يَمِينًا (٢).

* * *


(١) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٨٤).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>