للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]، وميزانُ ذلك: العلماءُ وَرَثةُ الأنبياء، وقد نَهَى اللهُ عن إشاعهِ أخبارِ الخوفِ والإرجافِ التي تؤثِّرُ في صفِّ المؤمنينَ، وتَفُتُّ في وَحْدَتِهم.

وقد ذكَرَ اللهُ استجابةَ بعضِ الصالِحِين في القرآنِ لخوفِ النفوسِ مِن العدوِّ في الترخُّصِ بتركِ بعضِ المأموراتِ؛ كما في بعضِ مَن آمَنَ مع موسى في قولِهِ: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ [يونس: ٨٣]، فذَمَّ فِرْعَوْنَ ومدَحَهم، وكما في قولِهِ تعالى: ﴿أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١] فجعَلَ الخوفَ بابًا للترخُّصِ بتَرْكِ بعضِ الأمورِ.

فمَن عَظُمَ اللهُ في قلبِهِ خافَ مِن تركِ أوامرِه، وعرَفَ مقدارَ ما يَفُوتُ منها وما يحفَظُهُ عندَ العملِ بالخوف، فلا تُجازِفُ له شجاعةٌ، ولا يُعَطِّلُه جُبْنٌ.

الخوف الذي يكونُ عذرًا لتركِ العملِ:

والميزانُ في الاستحابةِ المشروعةِ للخوفِ هو الذي يجعلُ المُسلِمَ - وخاصَّةً المجاهِدَ - يتَّخذُ الخوفَ مِنَ العدو بابًا لحفظِ دِينِ الله، لا لحفظِ لفسِه، فإن كان في الإقدامِ على القتالِ تضييعُ لدِينِ الله، تَرَكَهُ، ولو كانَتْ نفسُهُ شجَاعةً، جاهَدَها بالتَّرْك، وإنْ كان في تركِ القتالِ تضييعٌ لدِينِ اللهِ أقدَمَ، ولو كانَت نفسُهُ جَبَانةً، جاهَدَها بالإقدام، ويجعلُ نفسَهُ وحَظَّهُ الدُّنْيويَّ المجرَّدَ خارجًا عن ذلك؛ لأنَّه باعَها لواهِبِها؛ فلا يجوزُ أن يبيعَها مرَّةً أخرى؛ لأنَّها ليست له، فلا يجوز بيعُ ما لا يَملِكُ.

ولمَّا كان الخوفُ يُوهِنُ المؤمنينَ ويُضعِفُهم، نهَى اللهُ عنه، ونهى عن أثَرِهِ وهو الوَهَنُ؛ قال ابنُ عبَّاسٍ ومجاهدٍ والربيعُ؛ في قولِه تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>