في هذه الآيةِ: مشروعيَّةُ انتصارِ المظلومِ مِن ظالمِهِ بمقدارِ مَظْلِمَتِهِ مِن غيرِ بَغْيٍ، وقد جاء في القرآنِ حمدُ العفوِ عمَّن ظلَمَ في مواضع؛ منها قولُهُ تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٤٩]، وقولُهُ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢]، وقولُهُ تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التغابن: ١٤].
انتصارُ المظلومِ مِن ظالمِه وأحوالُه:
وفي هذه الآيةِ حَمِدَ اللَّهُ المنتصِرَ بعدَ ظُلمِه: ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾؛ وذلك أنَّ الانتصارَ مِن الظالمِ على نوعَيْنِ:
النوعُ الأولُ: انتصار خالص للنَّفس ممَّن ظلَم؛ فهذا الانتصارُ حقُّ، ولكن العفوَ عندَ القدرةِ والتحمُّلَ للأذى أفضَلُ؛ وهذا أكثَرُ حمدِ العفوِ عليه في الكتابِ والسُّنَّةِ.
النوعُ الثاني: انتصارٌ للَّهِ ولِدِينِه، ولو امتزَجَ بشيءٍ مِن حقِّ النَّفْسِ، فالانتصارُ للَّهِ متأكِّدٌ وواجب، ما لم تَقُم مَفسَدةٌ في الدِّينِ أعظَمُ مِن مَفْسَدةِ البَغْيِ الذي يُرادُ الانتصارُ منه، وقد كان النبيُّ ﷺ لا يَنتصِرُ لنفسِه؛ وإنَّما ينتصرُ للَّهِ وحُرُماتِه إذا انتُهِكَت، وهذه الآيةُ انتصارٌ للَّهِ؛ وذلك أنَّ سببَ نزولِها كان بسببِ ظُلْمِ قريشٍ للنبيِّ ﷺ بإنشادِ الشِّعْرِ فيه