للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإطعامِ، فعندَ وصفِ الشيءِ بالطعامِ يُطلَق هذا على القليلِ والكثير، ولكن الإطعامَ لا يُطلَقُ إلا على سدِّ الحاجةِ منه؛ ومِن ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: ٤].

وتقييد المطعَمِ بالمسكينِ إشارة إلى جُوعِه، وما يَدفع جوعَهُ إلا الشبع.

ولا خلاف أن الغني لا يدخُلُ في الآية؛ لأن الأصلَ شِبعهُ، ولا الفقيرُ الذي يُوضَع الطعامُ أمامَهُ وهو شبعانُ من إطعامِ آخَرَ، فيَمُد يدَهُ حياءً ليأخُذَ لُقمةً وَيعجزُ عن الباقي لِشبعِه، وهذا المرادُ بالإطعامِ الواردِ في كتاب اللهِ؛ كما في قولِهِ تعالى: ﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ [المدثر: ٤٤]، وقولِهِ تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨].

وقد اختلَفَ الأئمةُ الأربعةُ في ذلك على اختلاف تلك الأقوالِ عن السلفِ:

فمنهم مَن قال بإلإطعامِ بالصاعِ؛ وهو قولُ أبي حنيفةَ.

ومنهم من قال بالمُدِّ، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ، وقيَّدَهُ مالك بمُدِّ المدينةِ.

ومنهم مَن قال: يجبُ مُدُّ بُرٍّ، أو مُدانِ مِن غيرِه.

حكمُ اعتبارِ العَددِ في المساكين:

وقوله تعالى: ﴿عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾:

اختُلِفَ في العَدَدِ: هل هو لبيان حقيقةِ عددِ الفقراء، أو هو لبيان مِقدارِ الإطعامِ الواجب؟ والأولُ لازم للثاني، والثاني ليس بلازمِ للأول، فاختلَفَ العلماءُ - بعدَ اتِّفاقِهم على وجوبِ الكفارةِ بمقدارِ إطعامِ عشرةِ مساكينَ - هل يجب إطعام عشرةِ فُقراءَ عددًا، أو يغني إطعامُ ما دُونَ العشرةِ؛ فيجوزُ إطعامُ الواحدِ والاثنين ما يكفِيهم لعَشرِ وجَباتِ؟ على قولَين:

<<  <  ج: ص:  >  >>