للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاهدُ واليمينُ:

وبهذه الآيةِ أخَذَ بعضُ الفقهاءِ بعدمِ اعتِبارِ الشاهدِ واليمينِ؛ وذلك أنَّ اللهَ حصَرَ حِفْظَ الحقوقِ بشاهدَيْنِ من الرجالِ، أو رجلٍ وامرأتَيْنِ؛ وبه قال أبو حنيفةَ وأهلُ الكُوفةِ، ولأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في الأشعَثِ وخَصْمِهِ: (شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ)، قال الأشعتُ: إنَّهُ إذًا يَحْلِفُ ولا يُبالي، فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بها مَالًا، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ)، فأنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك، ثمَّ اقترَأ هذه الآيةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: ٧٧]؛ رواهُ الشيخانِ (١).

وجمهورُ العلماءِ على ثبوتِ الحقِّ بالشاهدِ مع اليمينِ؛ وهو قولُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ وأهلِ المدينةِ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بالشاهدِ مع اليَمينِ؛ أخرَجَهُ مسلِمٌ، عَنِ ابنِ عبَّاسٍ (٢).

والآيةُ لم تحصُرْ حِفْظَ الحقوقِ الجائزةِ بشهادةِ الرجلَيْنِ أو الرجلِ والمرأتَيْنِ؛ وإنَّما دَلَّتْ وأرشَدَتْ إلى الكمالِ في ذلك؛ ولذا ذكَرَتِ الكتابةَ والإشهادَ، وبعد ذلك الرهنَ، وليسَتْ بواجبةٍ على الأرجَحِ.

اليمينُ والشاهدتان:

واختُلِفَ في القضاءِ باليمينِ مع المرأتَيْنِ، على قولَينِ للفقهاءِ:

قالَ مالكٌ بجوازِها؛ لظاهِرِ الآيةِ؛ لأنَّ المرأتَيْنِ بدلٌ عن الرجلِ، فإنْ وُجِدَا، قُضِيَ بهما مع اليمينِ.

وخالَفَهُ الشافعيُّ؛ لأنَّ اللهَ لم يُجِزِ الشاهدتَيْنِ إلا مع رجلٍ؛ وذلك


(١) أخرجه البخاري (٢٥١٥) (٣/ ١٤٣)، ومسلم (١٣٨) (١/ ١٢٣).
(٢) أخرجه مسلم (١٧١٢) (٣/ ١٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>