تكلَّمَ إخوةُ يوسُفَ بالسُّوءِ في يوسُفَ مع تقادُمِ العهدِ وبُعْدِه، مع ما فعَلُوهُ به مِن تغييبٍ، وما لَحِقَهُ بعدَ ذلك مِن استعبادٍ ومُراودةٍ على فتنةٍ، ثُمَّ سَجْنِهِ وطُولِ مُكْثِهِ فيه، ومع ذلك كلِّه لم يَنتصِرْ يوسُفُ لنفسِهِ منهم.
انتصارُ الحاكِمِ للَّهِ ولِنَفْسِهِ:
وفي هذا: أنَّه ينبغي لمَن كان عملُهُ للَّه ويقومُ بأمرِ اللَّهِ في الناسِ: أنْ يَغِيب انتصارُهُ لنفسِه؛ لأنَّه إنْ كان الانتصارُ لنفسِهِ في كلِّ ما فاتَ مِن حقِّه، غابَ معه العدلُ، والقائمُ للَّهِ قد باعَ نفسَهُ له، فلا يَليقُ بمَن باعَ نفسَهُ للَّه أن يَنتصِرَ لها؛ فَإِنَّها ليستْ له.
وهكذا ينبغي لأصحابِ الولاياتِ -وخاصَّةً الكُبْرى- أَلَّا يَنتصِرُوا لأنفُسِهم! لأنَّ مَنِ اتَّسَعَ أمرُهُ في الناسِ وسُلْطانُه، نالَ الناسُ منه ووقَعُوا فيه؛ لكثرةِ الجُهَّالِ والظَّلَمَة، وربَّما تكلَّمَ فبه بعضُ الناسِ بحقِّ، فإنِ انتصَرَ لنفِسهِ في كلِّ مَظلِمةٍ مِن فعلٍ وقول، انشغَلَ بالانتِصارِ لنفسِهِ عن الانتصارِ لأمَّتِه، وعاشَ لنفسِهِ ولم يَعِشْ لأُمَّتِه، وقد وقَعَ أقوامٌ مِن الجَهَلةِ