للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عصمةُ دمِ المؤمِنِ:

وقولُهُ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ فيه دليلٌ على أنَّ الأصلَ في دمِ المؤمنِ: التحريمُ، ولا يَحِلُّ إلَّا بشروطِه، وأنَّ الأصلَ في دمِ الكافرِ: الحِلُّ، ولا يحرُمُ إلَّا بشروطِه، ولو تَساوَى الأصلانِ في التحريم، ما كان لِتَخصيصِ المؤمنِ بالذِّكْرِ هنا معنَى إلَّا عندَ اختلافِ الأثَر، والأثرُ واحدٌ، وهو الدِّيَةُ وعِتْقُ الرقبة، وإنِ اختُلِفَ في مقدارِ الدِّيةِ في المُعاهَدِ؛ فالآيةُ في بيانِ الديةِ لا مِقْدارِها.

ويدُلُّ على هذا ما في "الصَّحيحَيْنِ"، عنِ ابنِ مسعودٍ؛ أنَّ رسولَ اللهِ قال: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ الَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله، إِلَّا بِإحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) (١).

وفي قولِه تعالى: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ تكرَّرَ ذِكْرُ الخَطَأِ؛ حيثُ قال في أولِ الآيةِ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾، ثمَّ قال: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾؛ تأكيدًا على تعظيمِ القتل، وأنَّه لا ينبغي أنْ يقَعَ مِن المؤمِنِ إلَّا خطأً.

وفي أولِ الآيةِ ذكَرَ الفاعلَ والمفعولَ، ووصَفَهُمَا بالإيمان، فقالَ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا﴾، وبعدَ ذلك ذكَرَ المفعولَ ولم يذكُرِ الفاعلَ، فقال: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾، وفي هذا معنى أنَّ القتلَ للمؤمِنِ لا يكونُ عادةً إلَّا مِن كافرٍ لا يُعَظِّمُ اللهَ وحُرُمَاتِه، ثمَّ بيَّنَ حكمَهُ لو وقَعَ مِن المؤمنِ والكافرِ المُعاهَدِ؛ فذكَرَ المقتولَ ووصَفَهُ بالإيمان، وأضمَرَ وَصْفَ الفاعلِ، وفي هذا دليلٌ على أنَّ الكافرَ المُعاهَدَ لو قَتَلَ مؤمِنًا خطأً


(١) أخرجه البخاري (٦٨٧٨) (٩/ ٥)، ومسلم (١٦٧٦) (٣/ ١٣٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>