للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: ٩٢].

في الآيةِ: تعظيمُ الدَّمِ الحَرَامِ، وقد بَيَّنَ الله خَطَرَهُ بأنَّه لا يقَعُ مِن مؤمنٍ باللهِ حقَّ الإيمانِ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}؛ أيْ: لا يكونُ له، ولا يَنبغِي وقوعُهُ منه؛ وهذا كقولِهِ تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: ٧٩]، وقولِهِ: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥٣]، وقولِهِ: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} [مريم: ٣٥]، وقولِهِ: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: ١٦]؛ يَعني: ما ينبغي، والمرادُ بذلكَ: تعظيمُ الأمر، وهو نهيٌ في صورةِ نفيٍ؛ فإنَّه لا أعظَمَ مِن القتلِ إلَّا الكُفْرُ، ولو سُبِقَ الكفرُ بذَنْبٍ، لسبَقَهُ القتلُ.

وقد اختُلِفَ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ؛ فقد روى ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ؛ أنَّها نزلَتْ في عيَّاشِ بنِ أبي ربيعةَ أَخِي أبي جَهْلٍ لأُمِّه، وهي أسماءُ بنتُ مَخْرَمَةَ، وذلك أنَّه قتَلَ رجُلًا كان يُعذِّبُهُ معَ أخيهِ على الإسلام، وهو الحارثُ بن يَزِيدَ الغامديُّ، فأضمَرَ له عَيَّاشٌ السُّوءَ، فأسلَمَ ذلك الرجُلُ وهاجَرَ، وعيَّاشٌ لا يَشعُرُ، فلمَّا كان يومُ الفتح، رآهُ فظَنَّ أنَّه على دِينِه، فحمَلَ عليه فقتَلَهُ؛ فأنزَلَ اللهُ هذه الآيةَ (١).


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٣٠٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>