وقد يَجعَلُ الشارعُ بعضَ الأفعالِ مِنَ الفِطْرةِ؛ لأنَّها تُعِيدُ المخلوقَ على أصلِهِ مِن النَّظافةِ والطَّهارةِ؛ كتقليمِ الأظفارِ وحَلْقِ العانةِ ونَتْفِ الإبْطِ وغَسْلِ البَراحِم والاستنشاقِ واستنقاصِ الماء، وعلى قولٍ السِّوَاك؛ فقد جاء في الأثرِ أَنَّه مِنَ الفِطْرةِ؛ لأنه يعِيدُ الفمَ على فِطْرتِهِ مِن الطهارةِ.
تغييرُ العيوبِ:
وكلُّ ما خالَفَ فيه الإنسانُ السويَّ الصحيحَ، جاز له تغييرهُ بالتطيُّبِ؛ لأنَّه عيبٌ؛ كمَن وُلدَ أعمَى أو أبكَمَ أو أصَمَّ أو أبرَصَ أو أقرَعَ، وكما جازَ للثَّلاثةِ الأقرعِ والأبرَصِ والأعمى أن يَدْعُوا اللهَ فيَشْفيَهم، ولم يَسْأَلُوا حَرَامًا ولا إثمًا، كذلك لو تطيَّبُوا، وقصَّة الثلاثةِ في "الصحيحَينِ" وغيرِهما (١).
وتغيير الإنسانِ للونِ شعرِ رأسِه جائزٌ؛ لأنَّه يجوزُ له قَصُّهُ أصلًا، فكيفَ بتغييرِه؟ ! ولكن لا يجوزُ له تغييرُهُ إلى لونٍ شاذٍّ لا يُعْرَفُ في فِطَرِ الناسِ عادةً، حتَّى يُوصَفَ بالشذوذِ والشهرةِ بين الناسِ.
وقد أجازَ النبيُّ ﷺ تغييرَ شَعْرِ اللِّحْيةِ إلى لونٍ لا يُفْطَرُ عليه العربُ عادةً، وهو الحِنَّاءُ، فدلَّ على جوازِ تغييرِهِ إلى لونٍ لا يُنهى عنه؛ كالسَّوَادِ على الكَرَاهة، والشُّهْرةِ على التحريمِ.