للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١].

في هذا: وعيدُ سليمانَ للهُدهُدِ بالعذابِ الشديدِ أو الذَّبْحِ، وجاء أنَّ سببَ تفقُّدِ سليمانَ للهُدهُدِ وتوعُّدِه له عن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّه جلَسَ إلى عبدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ، فسأله عن الهُدْهُدِ: لِمَ تَفقَّدَه سليمانُ مِن بينِ الطيرِ؟ فقال عبدُ اللَّهِ بن سَلَامٍ: إنَّ سليمانَ نزَلَ منزلةً في مسيرٍ له، فلم يَدرِ ما بُعْدُ الماءِ، فقال: مَن يَعلَمُ بُعْدَ الماءِ؟ قالوا: الهدهدُ؛ فذاك حينَ تفقَّدَه؛ رواهُ ابنُ جريرٍ (١).

قولُه تعالى: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾، وقد توعَّدَه بعذابِه، وقد صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ (٢)، ومجاهدٍ (٣): أنَّ عذابَه بنَتْفِ رِيشِه.

حُكْمُ تأديبِ الحيوانِ وتعذيبِه:

في هذه الآيةِ: تجويزُ تعذيبِ الحيوانِ، وهو الهدهدُ، وإنَّما توعَّدَهُ سليمانُ؛ لأنَّ الحيوانَ يُدرِكُ أَمرَ سليمانَ له؛ فقد علَّم اللَّهُ سليمانَ مَنطِقَ الطيرِ، ولكنَّ اللَّهَ لم يعلمِ الطيرَ مَنطِقَ سليمانَ، فالإعجاز لنبيِّ اللَّهِ لا للطَّيرِ؛ لأنَّ اللَّهَ قال على لسانِ سليمانَ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ [النمل: ١٦]، وفي الحيوان نوعُ إدراكٍ، ولكنْ ليس ببنَهُ وبينَ بني آدمَ خطابٌ مفهومٌ، وقد حجَبَ اللَّه الخطابَ بينَهم؛ فلم يَستطِعِ الإنسانُ خطابَ الحيوانِ بلِسَانِه، ولا الحيوانُ خطابَ الإنسانِ بلسانِه.

وفي الآيةِ: جوازُ تأديب الحيوانِ؛ ففي الحيوانِ نوعُ إدراكِ،


(١) "تفسير الطبري" (١٨/ ٣٠).
(٢) "تفسير الطبري" (١٨/ ٣٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٢٨٦٢).
(٣) "تفسير الطبري" (١٨/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>