للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيُعاقَبُ حسَبَ ما يُدرِكُ، والحيواناتُ تتبايَنُ مِنْ جهةِ إدراكِها ومقدارِه ونوعِه؛ ولهذا جعَلَ منها ما يَقبَلُ التعليمَ؛ كالكَلْبِ والطَّيرِ والفَرَسِ، ومنها ما لا يَقبَلُهُ؛ كالجرادِ والفَرَاشِ والنملِ.

وقد دلَّ الدليلُ على أنَّ الحبوانَ يُدرِكُ تقديرَهُ الفِطْريَّ الذي أوجَدَهُ اللَّهُ لأجلِه، بل يُدرِكُ بعضَ الحقوقِ عليه في الدُّنيا، ويُحاسَبُ على مِثْلِها في الآخِرةِ بالقِصَاصِ فقطْ بلا جنةٍ ولا نارٍ؛ كما في الصحيحِ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) (١)، وعلى هذا فسَّر بعضُهم قولَهُ تعالى: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: ٣٨]، وفي "المسنَدِ"، عن أبي ذَرٍّ، أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ؟ )، قَالَ: لَا، قَالَ: (لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا) (٢).

ورُوِيَ في الفصلِ بين الهائمِ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ، وعبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو (٣).

وقد روى عبدُ الرزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْريِّ، عن عروةَ، عن عائشةَ، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كَانَتِ الضِّفْدَعُ تُطْفِئُ النَّارَ عَنْ إِبْرِاهِيمَ، وَكاَنَ الْوَزَغُ يَنْفُخُ فِيهِ)، فنَهى عن قتلِ هذا، وأمَرَ بقتلِ هذا (٤).

وفي "المسنَدِ" وابنِ ماجَهْ، عن سائبةَ مولاةِ الفاكِهِ: أَنَّهَا دَخَلَت عَلَى عَائِشَةَ، فَرَأَت فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا؟ ! قَالَت: نَقْتُلُ بِهِ هَذِهِ الأَوْزَاغَ؛ فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخْبَرَنَا؛ أنَّ


(١) أخرجه مسلم (٢٥٨٢).
(٢) أخرجه أحمد (٥/ ١٦٢).
(٣) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٤/ ٥٧٥).
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٨٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>