للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلَفُوا فيما إذا جعلَ زوجتَهُ كأُختِه، فقال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُختي أو عمَّتي أو خالتي، وغيرِها مِن المَحَارِمِ.

والذي عليه جمهورُ العلماءِ؛ أنَّ ذلك كلَّه ظِهارٌ؛ وهو الصوابُ؛ لأنَّ الشريعةَ إنَّما حرَّمَتِ الظِّهارَ الملفوظَ في زمانِهم لِعلَّتِه، لا لمجرَّدِ ألفاظِه؛ فلا فرقَ بين ظَهْرِ الأمِّ وبطنِها؛ بل لو قال: فَرْجُها، لكان أغلَظَ مِن بطنِها، لأنَّ العلةَ فيه أظهَرُ وأصرَحُ، وكذلك أيضًا فالعلةُ في جميعِ المَحَارِمِ سواءٌ كانتِ ابنتهُ أو أختَهُ أو عمَّتَهُ أو خالتَهُ.

ولا يصحُّ مُظاهَرةُ المرأةِ لزوجِها، كأنْ تقولَ: (أنتَ عليَّ كأبي وأخي)؛ باتِّفاقِ الأئمَّةِ الأربعةِ؛ لأنَّ الظِّهارَ يُرادُ منه المفارَقةُ والطلاقُ، والعصمةُ بيدِ الرجُلِ لا بيدِ المرأةِ.

وليس في مُظاهَرتِها كفارة ظِهارٍ ولا يمينٍ، على الصحيحِ.

ومِن العلماءِ: مَن جعَلَ ظِهارَها مِن زوجِها يمينًا عليها يجبُ عليها فيها الكفارةُ، وقد أوجبَ الكفارةَ عليها كفارةَ يمينٍ: الأوزاعيُّ (١).

كفارةُ الظِّهارِ:

قولُه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾: في العَودِ المذكورِ في الآيةِ خلافٌ عندَ السلفِ ومَنْ بعدَهم مِن الفقهاءِ، على أقوالٍ:

منهم مَن قال: إنَّ المرادَ بالعَوْدِ هو العودةُ إلى المُظاهَرةِ بعدَ تحريمِها، فحمَلُوا العَوْدَ على الظِّهارِ؛ وهذا رُوِيَ عن مجاهِدٍ (٢) وطاوسٍ (٣)، وروايةٌ عن أبي حنيفةَ، ولازمُ هذا القولِ: أنَّ كفارةَ الظِّهارِ تجبُ بمجرَّدِ المُظاهَرةِ ولو رَغِبَ الزوجُ في مُفارَقةِ زوجِته بلا رجعةٍ.


(١) ينظر: "الاستذكار" (١٧/ ١٢٧)، و"تفسير القرطبي" (٢٠/ ٢٨٩).
(٢) "تفسير البغوى" (٨/ ٥١).
(٣) "الدر المنثور" (١٤/ ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>