النَّهي عن بيعِ المُلامسةِ وهي مسُّ اليدِ، فهذا غلطٌ؛ لأنَّ للشريعةِ وضعًا واستَعمالًا للمسِّ يفهَمُ مِن السِّباق، لا من اللفظةِ المجرَّدةِ، وقياسُ اللمسِ الواردِ في الشريعةِ بعضهِ على بعضِ لمجردِ الاشتراكِ اللفظي مِن غيرِ الاعتبارِ بالسياقِ، ليس مِن طريقةِ العربِ؛ وإنَّما مِن طريقةِ الأعاجمِ، فلا يُمكنُ أن يَفْهَمَ عربيٌّ فصيحٌ مِن النهيِ عن بيع المُلامَسةِ معنى الجِماعِ ولا ما يُقارِبه؛ بل ولا وُرُودَ للذكورةِ والأنوثةِ فيه؛ فالسياقُ له أثرٌ على الألفاظِ، وقد روى ابنُ جريرٍ وابنُ المنذِر، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ؛ قال:"ذكَرُوا اللمسَ، فقال ناسٌ مِن المَوَالي: ليس بالجِماعِ، وقال ناسٌ مِن العربِ: اللمسُ الجِماعُ، قال: فأتيت ابنَ عبَّاسٍ، فقلتُ له: إنَّ ناسًا مِن المَوَالي والعربِ اختلَفوا في اللمسِ، فقالَتِ المَوَالي: ليس بالجِماعِ، وقالتِ العربُ: الجماعُ، قال: فمِن أيِّ الفريقَيْنِ كنتَ؟ قلت: كنتُ مِن المَوَالي، قال: غُلِبَ فريقُ الموَالي؛ إنَّ اللمسَ والمسَّ والمباشرةَ: الجِماعُ، ولكن اللهَ يُكَنِّي ما شاء بما شاء"(١).
وفي هذا أنَّ خطَأ بعضِ المُفسِّرين مِن السلفِ ليس مِن جهةِ وقوعِ التأويلِ على صحيحِ اللُّغة، ولكنَّ خَطَأهم بسببِ فهْمِ السياقِ وتنزيلِهِ على أصحِّ مَعاني اللغةِ المقصودِ في التنزيلِ، وهذا ما يَغْلَطُ فيه الأعاجمُ مِن السلفِ، وكذلك بعضُ العربِ الذين لم يَقْرُبُوا مِن وضعِ اللسانِ الذي نزَلَ عليه القرآنُ، فنَأتْ مساكنُهُم وتواضَعُوا على مَعَانٍ تختلفُ عن وضعِ العربِ حالَ نزولِ القرآنِ في مكَّةَ والمدينةِ.