فيها على ما تقدَّمَ؛ فالمُنشغِلُ في صلاتِهِ بالكلام مع الناسِ لم يَتِمَّ قيامُهُ للهِ، بل وقَفَ ليُحادِثَ فلانًا وفلانًا؛ فالناسُ يَلْتَقُونَ في المساجدِ ما لا يَلْتَقُونَ في غيرِها، فإذا انشغَلُوا بالكلامِ والمسامَرةِ فيها، ما كان القيامُ للهِ، وإنَّما يَلتقُونَ ويتَجاوَرُونَ في الصلاةِ للحديثِ والكلامِ في الدنيا.
ترَكَ النبيُّ ﷺ صلاةَ العصرِ يومَ الخَنْدَقِ لمَّا شغَلَهُ المشرِكُونَ عنها؛ وذلك في شَوَّالٍ مِن السَّنَةِ الخامسةِ منها؛ كما قاله ابنُ إسحاقَ.
وقيلَ: في ذي القَعْدةِ.
وكانت صلاةُ الخوفِ لم تُشْرَعُ بَعْدُ؛ ولذا ترَكَ النبيُّ ﷺ صلاةَ العصرِ، ولم يصلِّها حتَّى خرَجَ وقتُها، وظاهرُ الحالِ: أنَّه يَعلَمُ ولم يَنْسَ، ولكنَّه شُغِلَ بالمشركينَ وقِتَالِهم، فأنزَلَ اللهُ عليه هذه الآيةَ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾، والرِّجَالُ: جمعُ رَاجِلٍ؛ أيْ: ماشٍ على قدَمَيْهِ؛ أيْ: لا تترُكُوهَا على كلِّ حالٍ في وقتِها، فمَن لم يستَطِعْ أداءَها بطُمَأْنينةٍ جماعةً أو فُرادَى، فليؤدِّها راجِلًا ماشيًا، أو راكبًا على دَابَّةٍ، أو سيَّارةٍ، أو طائرةٍ، أو سفينةٍ.