وفي الآيةِ أمَرَ اللهُ الإمامَ بجِبَايةِ الأموالِ مِن مَوَارِدِها، وإنفاقها على مَوَاردِها المشروعة، لِيَكْتَفِيَ الناسُ، ويَسُدَّ بعضُهم حاجةَ بعضٍ؛ فإنَّ السُّلْطانَ يُهابُ فتُدفَعُ الأموالُ إليه رَغْبَةً أو رَهْبةً، طَوْعًا أو كَرْهَا، ثم إنْ كان الإمامُ عادِلًا، فهو أبصَرُ بمَواضِعِ الحاجةِ والفقرِ والعَوَزِ، وهو أعلَمُ بمَواضِعِ الثغورِ؛ لأنَّ الناسَ تُكاتِبُهُ وتشتكي إليه، فيُحِيطُ بأحوالِ الناسِ والبُلْدانِ ولو تباعَدَت ما لا يُحيطُ الغنيُّ بذلك، وأيُّ خلَلٍ أو تقصيرٍ في جِبَايةِ الأموالِ مِن مَوَاضِعِها وإنفاقِها على مُستحِقِّيها، يكونُ في ذلك ظُلْمٌ في عيشِ الناس، ويَظهَرُ الظُّلْمُ في الأموالِ في جِهتَيْنِ:
الجهةُ الأُولى: الظُّلْمُ في جِبَايةِ الأموالِ؛ وذلك بعدَمِ أخذِها كما أمَرَ اللهُ؛ فيَتِمُّ تعطيلُ مَواردِها أو بعضِها، فاللهُ أمَرَ بجِبايةِ الزَّكَاةِ مِن الأغنياءِ مِن أموالِهم وزُرُوعِهم وثِمارِهم، ومَواشِيهم وعُرُوضِهم، ويأخذِ الجِزْيةِ والخَرَاجِ مِن الكُفَّار، ومِن مَواردِها غَنائِمُ الكفارِ عندَ قتالِهم لإعلاءِ كلمةِ الله، فبِمِقْدارِ الخلَلِ في تعطيلِ مواردِ المالِ في الإسلام، يكونُ خللٌ في بيتِ المالِ؛ كجِبَايةِ السُّلْطانِ لزكاةِ لعضِ الأغنياءِ دونَ بعضٍ، أو تعطيلِ الجهادِ والجِزْيةِ والخرَاجِ.
الجهةُ الثانيةُ: الظُّلْمُ في صَرْفِها؛ فإنَّ اللهَ أمَر بصَرْفِ الأموالِ في مَصارِفِها؛ كلُّ مالٍ بحسَبِه، فقد قسَّم اللهُ في كتابِهِ الغنيمةَ والزكاةَ، وبيَّن النبيُّ ﷺ مَصرِفَ سَلَبَ الكافرِ وخَرَاجِ الأرضِ والجِزْيةِ وإقطاعِ الأرض،
(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٦٥٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٧٥).