للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمالِ ولو كانت بلا دِينٍ، ولم يذكُرِ اللهُ جمالَ امرأةِ العزيزِ في السورةِ؛ لأنَّها حتى لو كانتْ كذلك، فلا يَلِيقُ أنْ يُظَنَّ بنبيٍّ أنه ينطُرُ إليها، فذكَرَ الله المَنصِبَ والجاهَ: {هُوَ فِي بَيْتِهَا}، ولم يذكُرْ جمالَها، فالجاهُ يحضُرُ في قلبِ الإنسان، خاصَّةً إن كان متَّصِلًا به بسببٍ؛ كحالِ يوسُفَ؛ فهو مُشترًى منهم، مُستعبَدٌ لدَيهم، وجاهُهُمْ لم يتكلَّفْ يوسُفُ حضورَهُ في قلبِه، كما يكلَّفُ الإنسانُ عادةً النظرَ إلى المرأةِ؛ فحضورُ الجاهِ واردٌ، وإطلاقُ البصرِ صادرٌ.

أسبابُ امتِناعِ يُوسُفَ مِنِ امرأةِ العَزِيزِ:

وامتنعَ يوسُفُ مِن امرأةِ العريزِ لِسَبَبَيْنِ:

الأوَّلُ: الخوفُ مِن اللهِ؛ لقولِه: {مَعَاذَ اللَّهِ}، وهذا التجاءٌ إلى اللهِ مِن أن يقَعَ فيما يُغْضِبُه.

الثاني: تعظيمُ خيانةِ مَن ائتمَنَكَ على بيتِهِ وأهلِهِ؛ وذلك في قولِه تعالى: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}؛ قال مجاهدٌ وابنُ إسحاقَ: {رَبِّي}؛ يعني: سيِّدي (١)؛ يُريدُ: العزيزَ؛ فإنَّه ائتمَنَهُ على بيتِهِ وأهلِه، فإنَّ الفِطَرَ والشرائعَ دالَّةٌ على أنَّ الحرامَ الواحدَ يغلَّظُ إنِ اجتمَعَ فيه أسبابٌ مكروهةٌ أُخرى؛ فإنَّ اللهَ جعَلَ الزِّنى بحَلِيلَةِ الجارِ أعظَمَ مِن الزِّنى بالبعيدة، وقد سُئِلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الذنبِ أعظَمُ؟ فقال بعدَما ذكَرَ الشِّرْكَ: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) (٢)، والزِّنى بذَاتِ المَحرَمِ أعظَمُ مِن غيرِها، وزِنى الشيخِ الأُشَيْمِطِ أعظَمُ مِن رِنى الشابِّ؛ كما في مسلمٍ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (ثَلَاثَةٌ لَا


(١) "تفسير الطبري" (١٣/ ٧٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٧/ ٢١٢٢).
(٢) أخرجه البخاري (٤٤٧٧)، ومسلم (٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>