للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمُ المبيتِ بمنًى:

وفي الآيةِ: دليلٌ على وجوبِ المبيتِ أيامَ مِنًى؛ لأنَّ اللهَ رَخَّصَ للتعجِّلِ، ورفَعَ الإثمَ عنه، ولازِمُهُ: وقوعُ الحَرَجِ والإِثْمِ على تارِكِ المَبِيتِ كلِّه.

ويرخَّصُ لِمَنْ يقومُ بشأنِ الحاجِّ مِن الرُّعَاةِ والسُّقَاةِ والسائِقِينَ والخَدَمِ والعُمَّالِ والحُرَّاسِ بتركِ المبيتِ؛ كما رخَّصَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للرعاةِ والسقاةِ بتركِ المبيتِ لصالحِ الناسِ لا لصالحِهم.

ومَن لم يَجِدْ موضعًا يَبِيتُ فيه، باتَ في أيِّ موضعٍ مِن مَكَّةَ على الصحيحِ، ولا يجبُ محاذاةُ مِنًى والقربُ منها؛ إذْ لا دليلَ عليه.

والمَبِيتُ الذي يسقُطُ به الواجبُ هو المبيتُ ليلًا؛ فلا يصدِّقُ على البقاءِ نهارًا: مَبيتٌ؛ لا في لغةِ العربِ، ولا في اصطلاحِ الشرعِ، وأكثرُ الليلِ أو شَطْرُهُ يتحقَّقُ به المبيتُ، ولا يَلْزَمُ من المبيتِ النومُ ولا الاضطجاعُ.

ولا يلزَمُ المَبِيتُ مَن لا يَجِدُ إلا سَكَنًا غاليًا، أو لا سَكَنَ له إلا الطُّرُقَاتُ؛ فليستْ موضعًا يجوزُ البقاءُ فيه؛ لِكَرَاهةِ ذلك؛ فالشارعُ نَهَى عن الجلوسِ في الطُّرُقاتِ إلَّا مِن بُدٍّ؛ فلا يُتعبَّدُ للهِ بذلك.

ولا يقيَّدُ وجوبُ المَبِيتِ بأنْ يصلُحَ المكانُ لمِثْلِهِ؛ وهذا شرطٌ لا وجهَ له؛ فإنَّ مِنًى منذُ تاريخِ الإسلامِ، وهي مُنَاخُ مَن سبَقَ إليها بسَهْلِها وجَبَلِها، وليس مِثْلُها مَبِيتًا لأحدٍ عادةً، وكان الأمراءُ والعلماءُ والوُجَهاءُ والأغنياءُ يَبِيتُونَ في موضعٍ واحدٍ مع المأمورينَ والجُهَّالِ والضعفاءِ والفقراءِ، ومَنْ وجَدَ مكانًا يَبِيتُ فيه غيرَ الطريقِ وما فيه مصالحُ الناسِ مِن الميادينِ العامَّةِ، وجَبَ عليه ولو كان وزيرًا أو أميرًا أو مَلِكًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>