وأمَّا مِقدارُ الزكاة، فإنَّ الزروعَ على نوعَيْنِ:
الأوَّلُ: ما سقَتْها السماءُ، أو كان عَثَرِيًّا يَشرَبُ بعُرُوقِهِ مِن ماءِ الأرضِ في باطنِها، أو ممَّا يُزرَعُ على أطرافِ الأنهار، فيَشْرَبُ منها بلا سَقْيٍ مِن آبارٍ أو آلاتٍ؛ فهذا نِصَابُهُ نِصْفُ العُشْرِ.
وهذا مِن التخفيفِ على الناسِ في مُؤْنَتِهم، فلا يُحَمَّلُونَ ما لا يُطيقونَ، وإذا كانتِ العِلَّةُ كذلك، فما شَقَّ على الناسِ مِن الزروعِ التي تُسقى مِن السماء، فجاءتِ المَشقَّةُ والمَؤُونةُ بغيرِ السَّقْيِ؛ كمشقَّةِ السقيِ ومؤونتِهِ كالذين يَزرَعُونَ زروعًا لا تَنْبُتُ وحدَها، وإنَّما تحتاجُ إلى وضعِ محميَّاتٍ تستُرُها مِن الشمسِ؛ لأنَّها لا تنبُتُ إلَّا في الظلّ، ويُكلِّفُهم ذلك كما لو كُلِّفَ مَن سَقَى بالماء، فإنَّ زكاتَهُ رُبُعُ العُشرِ كما لو سقَى بالآبارِ؛ لجامعِ العِلَّة، وهو مِن التحفيفِ وأقرَبُ إلى المقاصد، وإنْ كانتِ المشقَّةُ أخَفَّ وأيسَرَ مِن ذلك، فتجبُ كما لو سقَتْهُ السماءُ بلا مشقَّةٍ؛ إعمالًا للأدلةِ.
والإطلاقُ في إيجابِ إخراجِ حقِّ الثِّمارِ والزروعِ مقيَّدٌ بالمِقْدارِ الواردِ في السُّنَّة، فلا تجبُ الزكاةُ فيما كان دونَ خمسةِ أَوْسُقٍ؛ كما قال ﷺ:(لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ)(١).