للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاوَزَ الإنسانُ به حَدَّهُ المشروعَ، ويقعُ السَّرَفُ على مَعنيَيْنِ:

الأولُ: في المشروعِ والمباحِ؛ فلا يجوز تجاوُزُ الحدِّ به، وهذا كمَنْ يضعُ مالَهُ في مباحٍ لا ينتفِعُ منه هو ولا غيرُهُ، فذلك سرَفٌ ولو كان قليلًا، ومنه مَن يضعُ مَالَهُ في محلٍّ ويتعطَّلُ بسببِ ذلك محلٌّ أَولى منه، كمَنْ يُهدِي الهديَّةَ مِن قُوتِ عيالِهِ الذي لا يجدُونَ غيرَهُ، فهذا جمَعَ بينَ مشروعَيْنِ: الهديَّةِ والنفقةِ؛ ولكنَّ النفقةَ أوجَبُ، فكانتِ الهديَّةُ سرَفًا؛ ولذا قال السُّدِّيُّ في معنى السَّرَفِ هنا: "لا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ، وَتَقْعُدُوا فُقَرَاءَ" (١).

الثاني: في الممنوعِ؛ فكلُّ مالٍ وُضِعَ في حرامٍ، فهو سَرَفٌ ولو كان ذَرَّةً، وقد قال مجاهدٌ: "لَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أَبِي قُبَيْسٍ ذَهَبًا فِي طَاعَةِ الله، لَمْ يَكُنْ إِسْرَافًا، وَلَوْ أَنْفَقْتَ صَاعًا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى، كَانَ إِسْرَافًا" (٢).

* * *

قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: ١٥١].

هذه الآيةُ مِن آخِرِ ما نزَلَ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وهي مِن المُحْكَمات، وذكَرَها ابنُ عبَّاسٍ مِن المقصودِ بقولِهِ تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: ٧] (٣)، وعن ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه-؛ قال: "مَن أرادَ أنْ يقرَأَ


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٣٩٩).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٣٩٩).
(٣) "تفسير الطبري" (٥/ ١٩٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٥٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>