للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبب النزولِ كلُّ واحدٍ على حادثةٍ بعينِها، وربَّما حمَلَها أكثرهُم على أقربِ الحوادثِ عندَ نزولِ الآية، والآيةُ جاءَت عليها وعلى ما قبلَها، وأكثرُ أسبابِ النزولِ لا تتعارضُ؛ وإنما تتعدَّدُ، وحَمْلُها عليها جميعِها أصحُّ، وهو الأنسبُ؛ للحِكمةِ مِن آيِ القرآنِ؛ لأنَّ الأصلَ فيها أنَّها تَنزِلُ لمعالجةِ الحوادتِ العامَّةِ المتكرِّرة، لا لقضايا الأعيانِ التي لا تتكرَّرُ.

عصمةُ دمِ مَن نطَقَ الشهادتَيْنِ:

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾؛ أيْ: لِمَن نطَق الشهادتَينِ؛ فقوله: ﴿السَّلَامَ﴾؛ يعني: الإسلامَ، ولا يدخلُ الإسلامَ إلا بنطقِ الشهادتينِ؛ وذلك لقولِهِ : (أُمِرْتُ أَنْ أقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهَدُوا أنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأنَّ محَمَّدًا رَسولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويؤتُوا الزكَاةَ … )؛ الحديثَ؛ أخرَجَة الشيخانِ (١).

وليس المرادُ بالسَّلَامِ التحيةَ؛ وإنَّما إظهارُ الإيمانِ بالنطقِ بالشهادتَين، أو ما يدل عليها؛ كقولِه: أنا مسلِمٌ، أو دخَلتُ الإسلامَ، فالمرادُ في الآيةِ إظهارُهُ الاستسلامَ للهِ بالتوحيدِ إقرارًا بدينكم؛ روى ابنُ أبي نَجِيح، عن مجاهِدٍ؛ في قوله: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾؛ قال: راعي غَنَمٍ، لَقِيَه نَفَرٌ مِن المؤمِنِينَ فقتلوهُ، وأخَذوا ما معَهُ، ولم يَقبَلُوا منه قولَه: "السلامُ عليكم؛ فإني مؤمنٌ" (٢).

وروى ابن أبي حاتم وابنُ جريرٍ، عن عليِّ بنِ أبي طَلحةَ، عن ابنِ عباسٍ؛ قال: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾؛ قال: "حرَّم الله على المؤمنينَ أن يَقولوا لِمَن شهِدَ أن لا إلهَ إلا الله: ﴿لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ كما حرَّم عليهم الميتَةَ، فهو آمِنٌ على مالِهِ ودَمِه،


(١) أخرجه البخاري (٢٥) (١/ ١٤)، ومسلم (٢٢) (١/ ٥٣).
(٢) "تفسير الطبري" (٧/ ٣٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>