للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجاهِدِ ولو كانتْ قليلةً أشدُّ عليه وعلى الناسِ مِن الدُّنيا في غيرِه، وقليلُ الدنيا في قلبِه كثيرٌ؛ لأنَّه أقرَبُ إلى الآخِرة، ومحلُّه التجرُّدُ والخلوصُ، والدنيا في قلبِ العالِمِ أشدُّ عليه وعلى الناسِ مِن العامَّةِ؛ لأن فتنةَ العالم فتنةٌ عامَّةٌ؛ وفتنةَ آحادِ العامَّةِ خاصَّةٌ.

وإنما نزلت هذه الآيةُ: ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ لأن منِ أصحابِ النبي مَن قتَلَ كافرًا أسلَمَ بعدَ طلَبه؛ لأخذِ غنيمتِه، وغاب عنه أن غنيمةَ الآخِرة، بإسلامِه أعظَمُ مِن غنيمةِ الدنيا بكُفرِه.

وهذه الآيةُ نزلَت في بعضِ الصحابةِ الذين قتَلُوا مَن ظهَرَ إسلامُهُ وتأوَّلُوا كُفْرَه؛ ففي البخاري؛ مِن حديثِ عمرٍو، عن عطاءٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾؛ قال: قال ابن عباسٍ: "كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيمَةٍ لَهُ، فَلَحِقَهُ المسلِمُونَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيكم، فَقتلوهُ وَأخَذُوا غُنَيمَتَهُ، فَأنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قولهِ: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ تِلكَ الغُنَيمَة (١).

وجاء في سبب نُزولها غيرُ ذلك؛ فرُوِيَ أنها نزلَت في المِقْدَادِ بنِ الأسْوَدِ؛ أخرَجَهُ البخاري معلَّقًا ومختصَرًا (٢)، وأخرَجَة البَزَّارُ مسنَدًا ومطولًا (٣)، وجاء أنَّها نزلَت في مُحَلِّمِ بنِ جثامَةَ بنِ قَيس، أخرَجَهُ أحمدُ (٤)، وجاء أنَّها نزلَت في أسامةَ بنِ زيدٍ؛ كما رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ مِن مُرسَلِ مسروقٍ، وابنُ جريرٍ من مُرسَلِ السُّدِّيِّ (٥).

وقد تتَعدَّدُ الحوادتُ فتَنزِلُ الآيةُ عليها جميعِها، فيَحمِلُ الصحابةُ


(١) أخرجه البخاري (٤٥٩١) (٦/ ٤٧)، ومسلم (٣٠٢٥) (٤/ ٢٣١٩).
(٢) أخرجه البخاري (٦٨٦٦) (٩/ ٣).
(٣) أخرجه البزار في "مسنده" (٥١٢٧) (١١/ ٣١٧).
(٤) أخرجه أحمد (٢٣٨٨١) (٦/ ١١).
(٥) "تفسير الطبري" (٧/ ٣٥٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>