للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾؛ لحصرِ الإلزامِ بالإمساكِ في النهارِ، وإخراجِ الليلِ منه، وكذلك في قولِه تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] بعدَ أنْ ذكرَ اللهُ النساءَ المحرَّماتِ، أخرَجَ منهنَّ غيرَهُنَّ ونصَّ على حِلِّهِنَّ.

وعادةً مَّا يأتي بعدَ فرضِ الحكمِ بيانُ حدودِهِ وضوابطِهِ ومنهيَّاتِه، فبعدَ أنْ ذكَرَ فرضَ الصيامِ ووجوبَهُ وأهلَ الأعذارِ فيه، ذكَرَ ما يَحِلُّ ويحرُمُ فِعْلُه؛ ضبطًا لحدودِه، وإحكامًا لتشريعهِ، فلا يتسلَّلُ الاجتهادُ في الحُكمِ حتى يُفْسِدَه، والنصُّ يقطعُ الاجتهادَ؛ فلا اجتهادَ معَ النصِّ.

وكلَّما جاءتِ الضوابطُ والشروطُ للحُكْمِ أكثَرَ وأدَقَّ في الكتابِ والسُّنَّةِ، دَلَّ على أهميَّتِهِ على غيرِهِ؛ لأنَّ الضوابِطَ والأوامِرَ والشروطَ والأركانَ والمُبْطِلاتِ الواردةَ في الحُكْمِ المنزَّلِ: تدُلُّ على الاهتمامِ به، والاحترازِ مِن دخولِ غيرِهِ فيه، فيشتبِهُ، فتضعُفُ صفتُهُ وهيئتُهُ، وذلك كالمالِ؛ كلَّما وضَعْتَ حِرْزًا عليهِ، دلَّ على أهميَّتِهِ عندَكَ.

الحكمةُ من نسخِ تحريمِ جماع الصائمِ ليلًا:

وهذهِ الآيةُ ناسِخةٌ لنهيِ الصائمِ عن الجِمَاعِ ليلةَ الصيامِ، وكان ذلك أولَ الأمرِ، فشَقَّ ذلك على الصحابةِ عليهِم رضوانُ اللهِ، والحِكْمةُ الإلهيَّةُ في النهيِ غيرُ منصوصةٍ في النهيِ عن ذلك ليلةَ الصيامِ.

ويَحتمِلُ أنْ يكونَ ذلكَ تربيةً وتيسيرًا على النَّفْسِ؛ أن يُؤتَى بالحكمِ الشديدِ، ثمَّ يَعملَ به الناسُ وقتًا يسيرًا، فتظهَرَ المشقَّةُ عليهم، ثمَّ يَنسَخَهُ اللهُ، ويُبقِيَ الحكمَ على الحالِ التي أرادَها اللهُ أن تكونَ عليه، فلو فرَضَ اللهُ الصيامَ ابتداءً، ونهى عن مباشَرةِ النِّسَاءِ نهارًا فقطْ، لكان ذلك أشقَّ على النفوسِ ممَّا لو فرَضَ اللهُ الصيامَ ونهى عنِ المباشَرةِ ليلًا ونهارًا، ثمَّ أباحَ مباشَرةَ اللَّيْلِ تخفيفًا، فيَفرِضُ الأشَدَّ حتَّى تأْنَسَ النفوسُ بما دونَه؛ وهذا من السِّيَاسةِ الدقيقةِ في التشريعِ لو صَحَّ هذا الاحتمالُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>