للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُؤخَذُ منهُ سياسةُ الحاكمِ لنفوسِ الرَّعِيَّةِ عند إرادةِ أمرٍ لصالحِ الأُمَّةِ وهو شديدٌ؛ أنْ يُظهِرَ ما هو أَشَدُّ منه، فإذا جَرَّبُوهُ، خفَّف، ويُبقِي الأَخَفَّ، فيَظهَرُ الشديدُ بصورةِ اليُسْرِ.

وفيه: قطعٌ للنفوسِ المريضةِ الَّتي تتربَّصُ بالأحكامِ، وتَصِفُها بالتشديدِ؛ فالنفسُ تَنفِرُ مِنَ الماءِ الدافِئِ، ولا تشربُهُ إلا إذا ذَاقَتْ ما هو أشدُّ حرارةً منه، فتستلِذُّ ما دُونَه؛ خاصَّةً أنَّ فرضَ صيامِ رمضانَ جاء بعد صيامِ يومٍ في السَّنَةِ، ثمَّ تدرَّجَ، فشرَعَ صيامَ رمضانَ على التخيِيرِ بينَهُ وبينَ الإطعامِ، ثمَّ فرَضَهُ بعينِه، وهذا انتقالٌ كبيرٌ، فاحتاجَ مِثلُهُ إلى إظهارِ قُدْرةِ الناسِ عليه لو رأَوْا ما هو أشدُّ منه.

ومِنَ العلماءِ مَن قال: إنَّه لم يأتِ في الشرعِ نَهيٌ عن المباشَرةِ ليلًا، ولكنَّ بيانَ حِلِّ المباشَرةِ جاءَ هنا دَفْعًا لتوهُّمِ ظَنِّ، وربَّما نَسْخًا لما بَقِيَ مِن شريعةِ الأُمَمِ السابقةِ، فقد أنكَرَ أبو مسلِمٍ الأَصْفَهانِيُّ أن يكونَ هذا نَسْخًا لشيءٍ تقرَّرَ في شَرْعِنا، وقال: هو نَسخٌ لِمَا كان في شريعةِ النصارَى.

والرَّفَثُ: هو حديثُ الرَّجُلِ مع المَرْأَةِ في شأنِ اللَّذَّةِ، وأُطلِقَ على الجِمَاعِ أيضًا كنايةً.

وأصلُ إطلاقِ الرَّفَثِ عندَ العربِ إنَّما ينصرِفُ إلى الكلامِ الفاحِشِ؛ قال العَجَّاجُ:

وَرَبِّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ … عنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ (١)

ويرادُ بِالرَّفَثِ فِي هذه الآيةِ: الجِمَاعُ؛ روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن أبي إِسحاقَ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قال: "الرَّفَثُ: الجِمَاعُ" (٢).


(١) ينظر: "ديوان العَجَّاج" (١/ ٤٥٦)، و"الصحاح" (١/ ٢٨٣)، و"لسان العرب" (٣/ ١٥٣)، و"تاج العروس" (٥/ ٢٦٤)؛ مادة: (رفث).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>